حروب أخرى محتدمة

د.منذر الحوارات

 

ثمة حروب عديدة تحدث في موازاة الحرب الدائرة في أوكرانيا بعد الغزو الروسي لها هذه الحروب تبدو وكأنها رجع صدى لهذه الحرب فكل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه يستخدم أدوات السلم كوسائل عسكرية، فالغرب يتهم روسيا بعسكرة الطاقة وروسيا تتهم الغرب بتسليح الدولار والأنظمة المالية مثل آلية المدفوعات الدولية سويفت، وفي الجانب الشرقي من العالم يحتدم صراع المعادن النادرة التي تستخدم في صناعة أشباه الموصلات بين الصين والولايات المتحدة وهو في إحدى وجوهه صراعاً على ريادة العالم، وفي الخليج العربي وجه آخر لتوسع الهوة بين السعودية وإدارة بايدن التي نظرت في بداية عهدها بعجرفة الى دول المنطقة برمتها ولكنها جاءت مرغمة بفعل الحاجة الى مصادر الطاقة الخليجية، ولكنها مع ذلك لم تلتزم بتعهداتها تجاه المملكة ودول الخليج.
 
وما يزال في جعبة العالم الكثير من الصراعات المحتدمة والتي تشكل ما يشبه برميل البارود والذي لا يحتاج إلا الى صاعق البداية حتى ينفجر، لكن الملفت هو طبيعة التحالفات التي تتكون مع كل هذه التناقضات فمثلاً في حالة النفط فقد أثبت قرار أوبك بلس قبل ايام بأن اطرافا مختلفة قد تقف على قلب رجل واحد ليس لأنها متحالفة بل لأنها فقط التقت عند هدف واحد وهو هنا ادارة بايدن هذه الادارة التي وضعت ضمن اجندتها الطاقية استراتجيتين الاولى هي الانحياز للطاقة النظيفة وهي هنا ترضي تحالفها مع يسار الحزب الديمقراطي والثاني هو خفض أسعار الطاقة لهدفين ايضاً أولهما هو كبح الركود التضخمي والثاني هو ضرب مصادر دخل الرئيس الروسي لإضعاف قدرته المالية على تمويل الحرب، ولأجل كل هذه الاهداف بذلت الادارة كل ما تملك من وسائل الضغط على الحلفاء وغير الحلفاء لتحقيق ما تريد، وفي الجانب الآخر تبذل روسيا بكل ما لديها من وسائل لدفع الرئيس الأميركي وحلفائه الأوروبيين لخسارة رهاناتهم هذه فمن جهة قامت بقطع الغاز عن أوروبا وإعادتهم إلى استخدام الفحم الحجري والمفاعلات النووية التي أغلقت قبيل حين، ومن جهة اخرى كونت تحالفات بديلة لتعويض ما خسرته في الجانب الأوروبي.
 

طبعاً فيما يخص النفط فقد التقت مصالح الرئيس الروسي مع مصالح السعودية الغاضبة ايضاً من الرئيس بايدن والذي لم يف بالتزاماته بشكل جاد تجاهها، وكلا الدولتين روسيا والسعودية هما أكبر منتجين للنفط في العالم وهما القوة الضاربة في أوبك بلس وهذا مكنهما من استصدار قرار بخفض الإنتاج بنسبة 2 ٪؜ والذي يعني ارتفاع الأسعار بشكل واضح والمهم في هذا القرار هو أثره السياسي على إدارة بايدن التي وعدت ناخبيها بخفض التضخم والانبعاثات الغازية وكليهما الآن في مهب الريح وفي حال انها قررت التصدي لإستراتيجية بوتين فإنها أي إدارة بايدن ستضطر لإعطاء المزيد من رخص التنقيب وهذا سيدفع أنصارها من الديمقراطيين للتخلي عنها، أما في حال عدم الرد فإن التضخم سيأكل أي دعم شعبي وسيوجهه نحو الحزب الجمهوري وهذا ما يتمناه الكثيرون، كل هذا يحدث على ابواب الانتخابات النصفية الأميركية أي أن القرار تم دوزنته بحيث يعطي نتائج سياسية سريعة على المستوى الأميركي ولاحقاً على المستوى الأوروبي فغضب الشوارع هناك سرعان ما يترجم كنتائج سياسية في الصناديق قد تطيح بكل الرؤوس الظاهرة على الساحة السياسية فهذه هي لعبة حرية الخيارات التي تسمح بمعاقبة السياسي في حال فشله.

لكن المؤسف في لعبة الحروب المحتدمة هذه هي انها قد توصل العالم الى حافة الهاوية أو ربما تدخله فيها طالما أنه لا يوجد رادع دولي لميزان القوى المنفلت من عقاله وربما تبقى هذه القوى تتطاحن بعيداً عن ساحتها المباشرة حتى لا تصطدم ببعضها بعضا وفي هذه الحالة ستكون ساحتها بالإنابة هي الدول الضعيفة والفقيرة والتي لا حول لها ولا قوة وهذا يشي بأن العالم مقبل على حرب هجينة بين الباردة والساخنة تتطاحن فيها القوى الطامحة للهيمنة وتنفس عن فائض قوتها طمعاً بالحصول على المكاسب في هذه المرحلة الهلامية من عمر البشرية.