العربي للمناخ: الشتاء المقبل سيكون شديد البرودة أكثر من المعتاد
توقع المركز العربي للمناخ أن يكون الشتاء المقبل شديد البرودة؛ بحيث يتدفق الهواء البارد بصورة أعلى من المعتاد خلال أشهر الشتاء صوب بلاد الشام وأجزاء من بلاد المغرب العربي؛ وذلك بسبب ثوران بركان تونغا وآثاره على المناخ.
وفي التفاصيل، بدأت الدوامة القطبية الستراتوسفيرية بالتشكل في شمال الكرة الأرضية، وازدادت قوتها بشكل ملحوظ مؤخراً، بعد الاعتدال الخريفي، وفق ما ذكر المهندس أحمد العربيد من المركز العربي للمناخ.
وأضاف العربيد أن ذلك حدث نتيجة قلة عدد ساعات النهار في النصف الشمالي من الأرض، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على طبقة التروبوسفير السطحية التي تحتوي بداخلها على جميع العمليات الجوية؛ من منخفضات ومرتفعات واضطرابات وغيرها.
وتابع: تشكلت الدوامة القطبية في طبقة التروبوسفير أيضاً، والتي يتضح عليها القوة والبرودة الكبيرة، وهذا الأمر ملاحظ جيدا من خلال قراءات معامل تذبذب القطب الشمالي AO، والي تشير إلى تعمق الهواء البارد في القطب الشمالي بشكل كبير وملحوظ ويصل إلى حد التطرف.
وأردف: هذا ما نسميه الإيجابية المتطرفة لمعامل تذبذب القطب الشمالي، أي انخفاض الضغط بشكل كبير في العروض العليا من 66 إلى 90 درجة، ما يؤدي إلى تكتل الهواء البارد وتجمعه داخل القطب، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة شدة البرودة نتيجة تجمع الهواء البارد، وبعد توجه معامل تذبذب القطب الشمالي إلى السلبية، أي ارتفاع الضغط في العروض العليا، تتدفق الرياح الباردة التي كانت متجمعة صوب العروض الوسطى وأجزاء من العروض الدنيا، ما يسبب انتشار موجات البرد.
وأشار العربيد إلى أنه عادةً تكون هذه الإيجابية المتطرفة للهواء البارد في القطب الشمالي ملحوظة في عمق الشتاء، لكن حدوثها في بدايات فصل الخريف حالياً وبشكل مبكر للغاية له دلالات لابد من الوقوف عندها.
وقال: "كما ذكرنا أعلاه فإن تكدس الهواء البارد يزيد من حدة البرد أصلاً، وهذا إن دل فإنما يدل على دخول عوامل أخرى غير نقصان عدد ساعات النهار تساهم في إضافة تبريد أكبر في القطب الشمالي"، علما أن "أحد أهم أسباب انخفاض الضغط بهذا الشكل في مركز القطب هو دخول عوامل تخلق فروقات حرارية كبيرة ما بين الكتل الهوائية، فكلما زاد الفرق الحراري بين الكتل كلما كان الاضطراب الجوي أعنف وكلما قل الضغط بشكل أكبر".
وبين أنه "أدى ذلك إلى حبس الهواء البارد في العروض العليا مؤخراً، مما ساهم في تأخر وصول الكتل الهوائية المعتدلة والباردة نسبياً صوب البلاد العربية وأجزاء أخرى من دول العروض الوسطى، وهذا هو السبب العلمي الذي يفسر ارتفاع الحرارة مؤخراً في دول بلاد الشام وما حولها، وهذا الأمر له إيجابية خلال الموسم المقبل فهو يؤدي إلى ارتفاع حرارة المسطحات المائية في البحار القريبة من المنطقة، مما يزيد من معدلات تكاثف بخار الماء عند حدوث الاضطرابات الجوية ويؤدي بدوره إلى زيادة معدلات الهطولات بمشيئة الله تعالى".
وزاد: "مؤخراً وفي بدايات هذا العام 2022، تفاجأنا يوم 15 كانون الثاني (يناير) بثوران عظيم لبركان يقع أسفل مياه المحيط الهادئ، وهو بركان تونغا، كان ثوران هذا البركان عنيفا لدرجة أن النفث والهباء الذي نتج عنه وشكل عامودا من الدخان وصل إلى ارتفاعات قياسية في الغلاف الجوي وامتزجت جزئيات ثاني أكسيد الكبريت So2 مباشرة مع الهواء، وسجل عامود الدخان الذي نتج عن ثوران هذا البركان ارتفاعاً يعد الأعلى على الإطلاق".
وتابع العربيد: "وصلت جزئيات بخار الماء وثاني أكسيد الكبريت والمواد الأخرى الناتجة عن الانفجار إلى طبقة الستراتوسفير وتركزت على ارتفاع ما بين 20 إلى 30 كم"، و"الموجة الصدمية التي نتجت عن الانفجار كانت الأقوى على الإطلاق استناداً إلى السجلات التاريخية، وأدت إلى انخفاض الضغط الجوي في كامل الكرة الأرضية، كما أنها جابت العالم عدة مرات وهي تسير بسرعة الصوت".
وأردف: "بعد هذا الثوران لبركان تونغا، نُشرت عدة دراسات تبحث أثر هذا الثوران على المناخ، وجلها أشارت إلى أنه سيؤدي إلى انخفاض حرارة الأرض باستثناء دراسة واحدة، والتي كانت تشير إلى أن بخار الماء الناتج عن ثوران بركان تونغا سيرفع من حرارة الأرض"، "ومع هذا تفاجأ العالم أن درجات الحرارة انخفضت في القطب الجنوبي لهذا العام بصورة غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية والتي كانت تمثل أشهر الشتاء في النصف الجنوبي من الأرض، وانعكست نتائج التبريد الذي أحدثه بركان تونغا بشكل ملحوظ على شتاء الدول التي تقع في نصف الأرض الجنوبي، وعاشت كل من أستراليا والقارة الأمريكية الجنوبية وجنوب أفريقيا أحد أقوى وأبرد فصول الشتاء على الإطلاق، تزامنت مع موجات برد كبيرة وتساقط ثلوج كبير تجاوز المعدلات في مختلف المناطق".
وقال العربيد: "للعلم، فإن الحرارة حالياً تسجل انخفاضا غير مسبوق في دول الجنوب، فكان لبخار الماء الذي نتج عن ثوران البركان أثر كبير في حجب وعكس جزء من أشعة الشمس قبل أن تدخل إلى طبقات الغلاف الجوي السطحية، فهل من المعقول أن يحبس بخار الماء أشعة الشمس وفي نفي نفس الوقت يسمح لها بالعبور صوب الأرض ؟!!! أم أن هذه الدراسة كانت تستخف بعقول الناس !!"؟.
ولفت إلى أنه "من المتوقع حدوث تبريد قابل للقياس بصورة ملحوظة وأعلى من المعدلات في الجزء العلوي من الستراتوسفير الجاف خلال الفترة المقبلة في النصف الشمالي من الأرض، وهو ما تمكن الباحثون من إثباته قبل أسابيع بعد تسجيل تبريد واسع النطاق لطبقة الستراتوسفير فوق نصف الكرة الجنوبي".
وأوضح: :لقد وصل هذا التبريد في الستراتوسفير الآن إلى مستويات غير مسبوقة، ويمكن أن ينتشر هذا التأثير في نصف الكرة الشمالي خلال الأشهر المقبلة مع دوران تيارات الرياح العالمية".
وفيما يتعلق بالتأثير الأكبر، قال العربيد: "من المتوقع أن يكون على سلوك ظاهرة تسمى تذبذب شمال الأطلسي (NAO)، مما يزيد من الميل لتطوير مؤشر NAO نحو الإيجابية. وهذا يعني أن فرق الضغط الجوي بين منطقة الضغط المنخفض بالقرب من آيسلندا ومنطقة الأزور المرتفعة سوف ينخفض، مما يؤدي إلى حجب الكتل الهوائية القطبية عن الغرب الأوروبي، وتوجه الكتل الباردة بشكل مركز صوب وسط وشرق أوروبا، وهذا سيؤدي وبنتيجة حتمية نمطية إلى تدفق الهواء البارد بصورة أعلى من المعتاد خلال أشهر الشتاء 12 و 1 و 2 صوب بلاد الشام وأجزاء من بلاد المغرب العربي، وسيخلق شتاء شديد البرودة بمشيئة الله تعالى".