أخيراً.. التأمين الصحي في الضمان الاجتماعي!
د. زيد حمزة
في ثلاثينات القرن الماضي واجه العالم واحدةً من أضخم الازمات الاقتصادية التي تنبأ كارل ماركس بحتميتها في النظام الرأسمالي، وكادت ان تعصف بكيانات أغنى وأقوى الدول وفي مقدمتها اميركا، وكان من الطبيعي ان يتحرك لإنقاذ الموقف علماء اقتصاد من صلب النظام ومن أبرزهم البريطاني جون مينارد كينز الذي حاول التخفيف من انفلات اقتصاد السوق المتغوّل على الفقراء بدعوته للتعاون بين القطاعين العام والخاص والتوسع بإنشاء صناديق الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي التي كانت قد انتشرت في العديد من دول أوروبا الغربية، لكن اميركا رفضت المبادئ الكينزية واتهمتها بالشيوعية! أما عندنا فقد أُنشئت مؤسسة الضمان الاجتماعي في وقت متأخر(١٩٧٨) ورحّب بها عمالنا خصوصًا وقد حوى قانونها مادة تقضي بإنشاء صندوق للتأمين
الصحي، لكنه مع الأسف لم يرَ النور حتى اليوم بسبب تعنت أصحاب العمل ورفضهم دفع قسطهم من نفقاته وكأنهم لم يطلعوا على الدراسات العالمية التي اكدت زيادة انتاج العامل وهو مطمئن في ظل تأمين صحي جيد له ولأسرته، هذا رغم محاولات حثيثة من قبل وزارة الصحة منذ ١٩٨٥ لتذكير مؤسسة الضمان بواجبها لاستكمال تطبيق قانونها بهذا التأمين، ولا أنوي هنا التذكير بمسلسل المماطلة من قبل إداراتها المتعاقبة فقد كنت أكتب عنه في حينه حتى جاءت ادارة الدكتور عمر الرزاز الذي استشارني كصديق واكد ان المشروع سوف يتحقق قريبًا ثم فوجئت بنقله الى موقع آخر ليصبح بعد ذلك رئيسًا للوزراء، وها نحن نشهد هذه الأيام ترويجاً واسعاً لمشروع جديد يقال إنه يتضمن الحلول المثلى التي انتظرها طويلًا مشتركو الضمان في الاردن، لكن بعد
الإفصاح عن بعض تفاصيله غير السارة انكشف انه الوحيد في تاريخ مؤسسات الضمان حول العالم الذي «يُعفي» اصحاب العمل من دفع نصيبهم من نفقاته أسوةً بالعمال الذين فوق ذلك أضاف على كواهلهم الضعيفة نسبةً جديدة لم يعهدوها من قبل وقدرها ١٪ لمعالجة السرطان مع انها مجانية بموجب قانون الصحة العامة! ولو استعرضنا المشروع بتمعّن لوجدناه يتقمص روح التأمين الصحي التجاري باتفاقات مع مستشفيات القطاع الخاص كالتي تورطت بها وزارة الصحة منذ ٢٠٠٨ لمعالجة مرضى الدرجة الأولى ثم الثانية دون فحصهم أولًا من قبل الاطباء العامّين اصحاب العلاقة المجتمعية الحميمة مع عائلات المرضى،وهم خط المواجهة الاول والعمود الفقري لأي نظام صحي سليم في العالم، وهم الذين يعالجون في العادة أكثر من ٩٥٪ من المرضى
دون الحاجة لإدخالهم للمستشفيات بنفقاتها الباهظة، ويمكن ان يدرأوا احتمالات الفساد الجديد المتمثل بالتحايل بالطوارئ لتبرير الادخال !
وبعد.. فاذا كان صحيحًا ان موئل العمال في أزمتهم مع مؤسسة الضمان هو اتحاد نقاباتهم العضو الأساسي فيها، فلماذا لا يتحرك للدفاع عن حقهم الدستوري في تأمين صحي جيد والذي ألزمته به كذلك قوانين منظمة العمل الدولية؟! وإلا فليترك الساحة لاتحاد عمالي مستقل..