الجنين يسحب الكالسيوم من الأم.. حقيقة أم خرافة؟!

تتساءل العديد من الأمهات عن مدى دقة المعلومة التي تُفيد بأن الطفل يسحب الكالسيوم من أمّه أثناء الحمل والرضاعة، فهل هذه حقيقة أم خُرافة؟

وإن كانت هذه المعلومة حقيقةً، فما هي الطرق للحفاظ على صحّة عظام الأم؟ وهل هناك عوامل أخرى مؤثّرة على صحة العظام؟ وما هي التغيرات الفيزيولوجية التي تثبت صحّة هذه الحقيقة؟ وما هي التغيرات الفيزيولوجية التي تواجهها الأمّ خلال مرحلة الحمل؟ وما علاقة تأثر العظام بها؟

من المعروف أن المرأة الحامل يحصل لديها العديد من التغيرات الفيزيولوجية خلال فترة حملها، لكن ما يعنينا هنا هو زيادة حجم بلازما الدم، فيحصل تمديد له، ما يؤدي إلى نقص تركيز الكالسيوم في الدم (نحن نريد تركيزًا محددًا ليقوم الجسم بوظائفه بطريقة جيدة).

بالإضافة إلى هذا، يزداد معدّل الرشح الكبيبي في الكلية، ما يسبّب زيادة في طرح الكالسيوم عن طريق البول، كما أنّ عبور الكالسيوم عن طريق المشيمة إلى الدوران الجنيني يؤدي إلى انخفاض مستواه في دم الأمّ.

كيف يتكيّف الجسم مع هذا النقص؟

كما نعلم أنّ الجسم غير قادر على تصنيع عنصر الكالسيوم بذاته، فإذا لم تتوافر الكمية المناسبة من الطعام والمكمّلات الغذائيّة وبقي هذا النقص، سوف يلجأ الجسم إلى آليات برمجها الله في جسم المرأة دون الحاجة إلى أن تفعلها هي بوعيها، وهي آليات للحفاظ على مستوى الكالسيوم في الدم ضمن الحد الطبيعي (8.6 إلى 10.3 ملغ/دل) ومنها:

1) زيادة امتصاص الأمعاء للكالسيوم، وهذه الآلية تعتمد في الأساس على فيتامين د.

2) نقل الكالسيوم من العظام إلى بلازما الدم وهو ما يسمى Calcium bone turnover، إذ تحتوي العظام على ما يقارب 98-99% من مخزون الكالسيوم في الجسم.

لماذا؟ كيف؟ ماذا نفعل؟

تكمن المشكلة في غذاء الإنسان الحالي، الذي يفتقر عند بعض الناس كثيرًا إلى البيض والحليب ومصادر الكالسيوم عمومًا، فحسب المواقع العلمية، إن تناول الكميّات الكافية من الكالسيوم يكفي لحماية عظام الأم من الهشاشة والكسور، إذ إنّ الاكتفاء الغذائي يجعل حدوث نقص في كثافة كتلة العظام أمرًا نادرًا مهما كانت احتياجات الطفل كبيرة.

هل يختلف الأمر في مرحلة الرضاعة عن مرحلة الحمل؟

يحتوي حليب الأم خلال الأشهر الستة الأولى عادةً من الرضاعة على كميّة من الكالسيوم تعادل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما تعطيه للجنين خلال أشهر الحمل التسعة، فمن الطبيعي أن تحدث تغيّرات فيزيولوجية هنا أيضًا؛ إذ يبدأ الجسم بالتكيّف وتعويض هذه الزيادة من الاحتياج عن طريق:

1) زيادة انتقال الكالسيوم من العظام إلى بلازما الدم لزيادة تركيزه.

2) فرط نشاط الغدد جارات الدرق، ما يؤدي إلى ارتفاع هرمون هذه الغدد (PTH)، مؤديًا إلى انخفاض إطراح الكالسيوم في البول، ومن ثم ارتفاع نسبته في الدم.

إنّ هذا الارتفاع يؤدي إلى تحفيز تشكيل كميات أكبر من فيتامين د الفعال عن طريق أنسجة الكلية، ما يؤدي بدوره إلى زيادة امتصاص الكالسيوم عن طريق الأمعاء.

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى أنّ النقص الحاصل في كثافة عظام الأمّ خلال فترة الرضاعة والذي يعادل (5-10%)، يُعوَّض عن طريق الغذاء المتنوع خلال سنة بعد فطام الطفل؛ لذا فإنّ الرضاعة الطبيعيّة بحد ذاتها لن تكون سببًا في ضعف عظام الأم والهشاشة العظمية في حال المحافظة على واردٍ كافٍ من الكالسيوم عن طريق المغذيات الغنيّة به.

ولكن كيف يمكن أن نحافظ على صحة الأمّ ونضمن في الوقت ذاته نمو الطفل بشكلٍ طبيعيٍّ؟

أولًا: العلاج غير الدوائيّ، ويتلخصّ بالآتي:

1) اتباع نظامٍ غذائيٍّ متوازنٍ يحتوي على كميّة كافية من الكالسيوم.

2) ممارسة الرياضة بانتظام واتّباع نمط حياةٍ صحيٍّ، إذ تؤثّر الرياضة إيجابًا على قوة العظام وصحتها.

• ومن الأمثلة على أهمّ المصادر الغذائية لمعدن الكالسيوم:

1) منتجات الألبان قليلة الدسم؛ مثل الحليب والزبادي والجبن والآيس كريم.

2) الخضروات ذات الأوراق الخضراء الداكنة؛ مثل البروكلي والكرنب.

3) السردين والسلمون.

4) الأطعمة المدعّمة بالكالسيوم؛ مثل عصير البرتقال والحبوب والخبز.

ثانيًا: العلاج بالمكمّلات الغذائية:

تؤخذ أقراص الكالسيوم مرة أو مرتين في اليوم (إجمالي 1 جرام كالسيوم/ يوم)، إذ يفضّل أخذها مع فيتامين د ابتداءً من الأسبوع 14 من الحمل (بسبب زيادة المتطلبات الجنينية للكالسيوم بدءًا من الشهر الحمليّ الرابع وتبلغ ذروتها في الشهر السابع) حتى الشهر السادس بعد الولادة.

ملاحظة: تُنصَح الأمّ عادةً بترك فاصلٍ زمني بين مكملات الحديد (أو حتى الأغذية التي تحتوي عليه) وأقراص الكالسيوم بسبب حدوث التداخل بينهما، ما يؤدي إلى منع امتصاص الحديد بالمستوى اللازم عن طريق الأمعاء، كما يُنصَح بتجنّب أخذها على معدةٍ فارغة.

وهنا لا بدّ أن يراود الذهن سؤال: هل من الممكن أنّ يزيد تركيز الكالسيوم في الجسم؟ وهل يعتبر هذا خطرًا على صحة الأمّ؟

إن حدوث فرط كالسيوم الدمّ (hypercalcemia) أمرٌ نادرٌ عند المرأة الحامل نظرًا لاحتياجها وجنينها إلى الكالسيوم مقارنةً مع المصادر الغذائية التي قد تتناولها خلال اليوم الواحد، بالإضافة إلى ذلك فإن الجرعات التعويضيّة لا تسبب عادةً زيادةً في تركيز الكالسيوم، والزيادة الطفيفة التي قد تحدث يسيطر عليها الجسم عن طريق آليات طرح الكالسيوم المختلفة، ولكن هذا ليس هو الحال دائمًا.

إن حدث هذا الأمر فيرجع السبب عادةً إلى فرط نشاط الغدد جارات الدرق (Hyperparathyroidism) الذي يكون عادةً خلال فترة الحمل بمستوياتٍ منخفضة أو يكون في متوسط المعدل الطبيعي (midnormal)، ويعتَبر هو السبب الأكثر شيوعًا لفرط كالسيوم الدم.

ومن النتائج السلبية التي قد تحدث:

1) زيادة في معدلات الإجهاض.

2) تأخر في نمو الطفل داخل الرحم.

3) زيادة في معدلات ولادة الطفل متوفيًا.

• ما تأثير زيادة الكالسيوم في الدم أو زيادة معدله في البول على وظائف الكلية؟

إذا تطورت الحالة إلى فرط كالسيوم الدم أو إفراز الكالسيوم في البول بمعدل أكثر من 250 ملغ يوميًا، فإن كلتا الحالتين تجبران الجسم على التكيف عن طريق زيادة معدل الرشح الكبيبي (GFR) حتى تتخلص من هذا الفائض.

المشكلة أنَّ الكلى بطبيعتها لا تتحمل ضغط العمل فوق قدرتها الطبيعية، فمع الوقت تبدأ الكلى بفقد جزءٍ من قدرتها على العمل أي ما يسمى بالقصور الكلوي، فيقل معدل الرشح الكبيبي عن 60 مل خلال الدقيقة الواحدة.

من النتائج السلبية التي قد تحدث أيضًا، حدوث تكلس في الأوعية الدموية والأنسجة الدقيقة، مؤديًا مع مرور الوقت إلى تكون الحصيات أو ما يعرف بتحصّي الكلى، الأمر الذي يؤهّب بدوره أيضًا للقصور الكلويّ.

الخلاصة:

نستنتج من ذلك أنّه من الممكن أن تتأثر عظام الأم خلال الحمل، إذ يخرج عنصر الكالسيوم من العظم تعويضًا لنقص تركيز الكالسيوم في الدم، وليُمدّ الطفل بالكميّة المناسبة لنموه.

لهذا، من المهم نصح الأمّ بزيادة تلك المصادر المحتوية على ذلك العنصر النبيل (ذكرنا المصادر الطبيعية أعلاه) حتى نحافظ على مخازن الكالسيوم عندها من أجل حماية العظام والأسنان من التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث نتيجة الحمل.