اكتئاب ما بعد الولادة.. كل ما تحتاجين معرفته

تتساءل العديد من النساء، خصوصا الحوامل، عن اكتئاب ما بعد الولادة، وأسبابه وأعراضه وكيفية حدوثه، وفي هذا المقال نقدم لكِ أهم المعلومات حول اكتئاب الولادة.

إن الطفل بطبعه يحمل مشاعر السعادة والابتهاج والترابط الأسري للعائلة عادة بعد ولادته، ولكن في بعض الحالات وعن غير قصد منه، فالمشكلة عند الأم، قد يحمل معه ما لا تتوقعه وهو: الاكتئاب.

◄ إن كثيرًا من الأمهات الجدد يعانين مما يُعرف بـ"baby blue" أو "اضطراب نفسي عابر" أو" كآبة نفاسية" بعد الولادة، والتي تشمل عادةً تقلبات المزاج ونوبات من البكاء والقلق وصعوبة في النوم.

عادةً تبدأ خلال يومين أو ثلاثة أيام بعد الولادة، وقد تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين ثم تتلاشى.

ولكن قد تتطور هذه الحالة لدى بعض الأمهات الجدد، فتصبح الأعراض أكثر حدة وتستمر لفترة أطول وتُعرف باسم: "اكتئاب ما بعد الولادة"، ونادراً ما تتطور الأمور أيضًا إلى اضطراب يسمى: "ذهان ما بعد الولادة".

◄ ماهي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة وكيف أفرق بينها؟

1) أعراض الكآبة النفاسية "Baby blue":

في هذه الحالة تستمر الأعراض لأيام قليلة أو لأسبوع أو اثنين بعد ولادة الطفل، وتشمل:

التقلبات المزاجيّة، القلق، الحزن، التهيّج، الشعور بالإرهاق، البكاء، انخفاض التركيز، مشاكل في الشهية، صعوبة في النوم.

2) أعراض اكتئاب ما بعد الولادة:

في هذه الحالة تكون الأعراض أشد وتدوم لفترة أطول، وقد تؤثر على قدرة الأم على رعاية طفلها أو التعامل مع المهام اليومية الأخرى.

تتطور الأعراض عادة خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، ولكنها قد تبدأ في وقت مبكر أثناء الحمل أو حتى بعد مرور عام على الولادة، تشمل الأعراض والعلامات التالية:

• الشعور بالاكتئاب أو التقلبات المزاجية الحادة.

• الإفراط في البكاء.

• صعوبة التعلق بطفلكِ.

• الابتعاد عن العائلة والأصدقاء.

• فقدان الشهية أو فرطها.

• الأرق أو النوم لفترات طويلة.

• الشعور بالتعب الشديد أو انخفاض الطاقة.

• قلة الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً.

• التهيج الشديد والغضب.

• الخوف من ألا تكوني أمًا جيدة.

• الشعور باليأس.

• الشعور بالذنب أو الخجل أو عدم القيمة.

• انخفاض القدرة على التفكير بوضوح أو التركيز أو اتخاذ القرارات.

• التململ.

• نوبات الهلع أو القلق الشديدة.

• خواطر وأفكار لإيذاء النفس أو الطفل.

• أفكار متكررة عن الموت أو الانتحار.

• أما الذهان فهو حالة أشد ونادرة.

◄ والآن بعد أن وضحنا الأعراض المرافقة لكل حالة، يأتي على البال سؤال مهم وهو: هل وحدها المرأة قد تصاب بالسابق؟ وبمعنى آخر هل يمكن للرجل أن يكتئب؟

والجواب هو نعم، فحتى الآباء الجدد معرضون لاكتئاب ما بعد الولادة، فقد يشعر الآباء الجدد بعد ولادة الزوجة بالحزن أو الإرهاق، وقد تعتريهم نفس الأعراض التي لدى الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة.

◄متى يجب طلب المساعدة الطبية؟

إذا شعرتِ بالاكتئاب بعد ولادة طفلكِ، فقد تنفرين من ذكر ذلك وتخجلين الإفصاح عن هذا الأمر. لكن إذا شعرتِ بأي أعراض للكآبة النفاسية أو اكتئاب ما بعد الولادة، اتصلي بطبيبتكِ وحددي موعدًا للزيارة. أما إذا كانت لديكِ أعراض ذُهان ما بعد الولادة فيجب أن تحصلي على المساعدة الفورية.

من المهم الاتصال بالطبيب في أقرب وقت ممكن إذا كانت علامات الاكتئاب وأعراضه تحتوي على أي من هذه العلامات:

• الأعراض لا تخف بعد أسبوعين.

• الأعراض تزداد سوءًا.

• صعوبة الرعاية والاعتناء بالطفل.

• صعوبة إتمام المهام اليومية.

• ورود أفكار لإيذاء النفس أو الطفل أو الانتحار.

◄حسناً ربما تتساءلون الآن ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟

لا يوجد سبب وحيد لاكتئاب ما بعد الولادة، ولكن قد تقوم المشاكل الجسدية والعاطفية بدورٍ ما في حدوثه.

1) التغيرات البدنية بعد الولادة:

بعد الولادة يحدث انخفاض كبير في الهرمونات (هرموني الاستروجين والبروجسترون)، والذي قد يساهم في حدوث اكتئاب ما بعد الولادة، كذلك يمكن أن تنخفض هرمونات أخرى تُنتجها الغدة الدرقية بدرجة كبيرة، ما قد يسبب الشعور بالتعب والكسل والاكتئاب.

2) المشاكل العاطفية والنفسية:

الإرهاق، الحرمان من النوم، القلق حول القدرة على رعاية الطفل، الشعور بقلة الجاذبية وفقدان التحكم بمُجريات الحياة كلها أمور

من الممكن أن تتسبب بحدوث اكتئاب ما بعد الولادة.

◄ما هي عوامل خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟ وهل أنا معرضة للإصابة أكثر من غيري؟

يمكن لأي أم جديدة أن تعاني من اكتئابِ ما بعد الولادة، ويمكن أن تتطور بعد ولادة أي طفل، وليس الولادة الأولى فقط. ومع ذلك تزداد الخطورة في حال:

• وجود تاريخ مرضي سابق من الاكتئاب.

• اضطراب ثنائي القطب.

• إصابة سابقة باكتئاب ما بعد الولادة، أو وجود أفراد من العائلة مصابون باكتئاب أو اضطرابات مزاجية أخرى.

• معاناة الطفل من مشاكل صحية أو احتياجات خاصة.

• ولادة التوائم.

• معاناة من أحداث مرهقة خلال العام الماضي (مضاعفات حمل، مرض، فقدان عمل...).

• صعوبة في الرضاعة الطبيعية.

• مشاكل عاطفية مع الزوج.

• وجود مشاكل مالية.

• كون الحمل غير مخطط له أو غير مرغوب فيه.

◄ ومن الأسئلة المهمة أيضا: هل يؤثر اكتئاب الولادة على الطفل؟

نعم يمكن لاكتئاب ما بعد الولادة، إذا لم يُعالَج، أن يؤثر على الرابطة بين الأم ووليدها، وقد يُفضي إلى مشاكل عائلية ومضاعفات هي:

1) بالنسبة للأمهات: قد يستمر اكتئاب ما بعد الولادة غير المعالج لمدة أشهر أو أكثر، وأحيانًا قد يصبح اضطرابًا اكتئابيًّا مزمنًا. على الرغم من علاجه، قد يزيد اكتئاب ما بعد الولادة من احتمالية تعرُّض الأمهات اللاتي أُصبن به لنوبات من الاكتئاب الشديد في المستقبل.

2) بالنسبة للآباء: يمكن أن يكون لاكتئاب ما بعد الولادة أثر مضاعف، إذ يتسبب في ضغط عاطفي على كل المحيطين بالوليد الحديث. عندما تكتئب الأم الجديدة، تتزايد احتمالية إصابة الأب بالاكتئاب. كما أن الآباء الجدد عرضة بشكل متزايد لخطر الإصابة بالاكتئاب، بصرف النظر عن إصابة زوجاتهم من عدمها.

3) بالنسبة للأطفال: يكون أطفال الأمهات اللائي أُصبن باكتئاب ما بعد الولادة ولم يُعالَجن أكثر عرضةً للمشاكل العاطفية والسلوكية؛ مثل: صعوبات النوم والتغذية، والإفراط في البكاء، وتأخُّر تطور اللغة.

◄كيف يُشخص؟

ستقوم الطبيبة بمتابعة ما تشعر به الأم بعد الولادة وما تمر به بشكل دقيق، لتستطيع تحديد ما إذا كان الأمر حالة كآبة نفاسية، أو أنها وصلت لمرحلة الاكتئاب.

وقد تقوم الطبيبة أيضا بطلب اختبارات للدم لتحديد ما إذا كان خمول الغدة الدرقية قد تسبب بهذه الأعراض.

◄العلاج:

عدم إدراك الأم بأنها مصابة بالاكتئاب، أو عدم علمها بأعراض هذه الحالة أمر ممكن، لكن اطمئني فهنا يأتي دور الوعي لدى الأصدقاء والعائلة بهذه الحالة، وملاحظة أحبائهم بعد الولادة عن قرب وتقديم المساعدة لهم.

كما يختلف أسلوب العلاج ومدته اعتمادًا على شدة الاكتئاب.

1) علاج الكآبة النفاسية:

عادةً تتلاشى من تلقاء نفسها في غضون بضعة أيام إلى أسبوع أو أسبوعين، وحاولي وقتها الاسترخاء وقبول دعم الأصدقاء والعائلة وتخصيص وقت للعناية بنفسكِ.

2) علاج اكتئاب ما بعد الولادة:

لا داعي للقلق فغالبًا ما يتم السيطرة على اكتئاب ما بعد الولادة بالعلاج النفسي (التحدث مع طبيب نفسي)، وفي حالات أخرى يمكن اللجوء لاستخدام مضادات الاكتئاب أو كليهما.

(لا تقلقي فليست كل مضادات الاكتئاب خطرة على الرضيع، فهناك ما يمكن للمرضعة تناوله دون أن يصل لحليب ثديها، وذلك بعد أخذ المشورة الطبية).

◄ ماذا يمكن للأم أن تفعل للخروج من دوامة الاكتئاب أو الكآبة النفاسية غير اتباع العلاج الطبي؟

• ممارسة الرياضة: تشير الدراسات أن مشي الأم مع طفلها الجديد في الهواء الطلق يساعد على تخفيف الاكتئاب.

• تناول وجبات صحية: الطعام الصحي لا يعالج اكتئاب ما بعد الولادة لكنه يساعدك على الشعور بتحسن المزاج.

• إيجاد وقت لنفسكِ: يمكنكِ الاستعانة بالزوج أو أحد الأصدقاء ليرعى الطفل، والحصول على بعض الوقت للراحة والخروج في نزهة، أو أخذ قيلولة، أو أداء بعض من هواياتك.

• الحصول على فترة نوم كافية: الأمهات اللاتي حصلن على قسط نوم أقل من 4 ساعات كن أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة؛ لذا ينصح بأخذ وقت كاف للنوم والراحة، وإذا كانت الأم تعتمد على الرضاعة الطبيعية فيمكنها تخزين بعض من الحليب في زجاجة ليتمكن الزوج من إعطائها للطفل أثناء نوم الأم.

• تناول المأكولات البحرية: تناولي الأطعمة البحرية والتي تحتوي على تراكيز عالية من الأوميغا 3.

• ضعي توقُّعات عملية: لا تضغطي على نفسكِ لإنجاز كل شيء، اجعلي توقُّعاتكِ في نطاق المعقول. قومي بما في مقدوركِ القيام به واتركي ما تبقَّى.

• تحدثي عن مشاعركِ واطلبي الدعم (هذا أمر مهم جدا): التواصل والتحدث مع من نحب أو مع أمهات ذوات خبرة وتعرّضن سابقاً لاكتئاب ما بعد الولادة يساعد في تحسين المزاج وتخفيف حدة الاكتئاب.

ختاماً، إن اكتئاب ما بعد الولادة ليس عيباً بالشخصية أو ضعفاً أو قلة تدين، بل هو أحد مضاعفات الولادة والحمل، ويمكن التعامل معها ومساعدة المصابات به على تخطي هذه العقبة، فلا يجب إشعارهن بالخجل أو الخوف من الاعتراف بمشاعرهن، بل تقديم المساعدة لهن بالكلمة الطيبة، وإخبار الأم أنها ما زالت جميلة والتشجيع المستمر لها بما تحتاج أن تسمعه؛ كأن نقول لها إنها ستكون أماً رائعة، كذلك مساعدتها في الأعمال المنزلية سيعطيها فرصة أكبر لتجد وقت للراحة والاعتناء بالطفل.

ونشدد أنه في حالة كان الطفل يعاني من مشاكل صحية (أو حتى مجرد وحمة) يجب التعامل مع الأمر بمسؤولية، وتقبل الطفل وإظهار الحب والدعم له ولعائلته، وعدم إطلاق التعليقات الساخرة أو التلميح إليها حتى.