الملك يتسلم تقرير القضاء
د.ينال برماوي
تسلم جلالة الملك قبل أيام من رئيس المجلس القضائي التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة لعام 2021، حيث يأتي هذا الإجراء انسجاما مع أحكام المادة (8) من قانون استقلال القضاء رقم (29) لسنة 2014 وتعديلاته، التي تنص على أن يُعد الرئيس في مطلع كل سنة تقريرا سنويا عن أوضاع المحاكم وسير الأعمال فيها خلال السنة السابقة ويعرضه على المجلس القضائي لإقراره، ومن ثم يرفع الرئيس هذا التقرير إلى جلالة الملك ويُرسل نسخة منه إلى وزير العدل.
وتكمن الفلسفة التشريعية في قيام المجلس القضائي بإعداد تقريره السنوي وتسليمه إلى جلالة الملك في العلاقة التي رسمها المشرع الدستوري بين رأس الدولة والسلطة القضائية، والتي تظهر جليا في المادة (27) من الدستور التي تنص على أن السلطة القضائية مستقلة تتوﻻها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك. كما تقضي المادة (98) من الدستور بأن قضاة المحاكم النظامية والشرعية يعينون ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين الخاصة بهم.
إن هذا الارتباط المباشر بين جلالة الملك والسلطة القضائية دون وساطة رئيس الوزراء أو أي من وزرائه من شأنه أن يعزز من استقلالية هذه السلطة التي تعمل جنبا إلى جنب مع شقيقتيها التشريعية والتنفيذية على إرساء مبادئ العدالة والمساواة وسيادة القانون. إلا أن السلطة القضائية تبقى تعمل ضمن إطار الفصل بين السلطات، دون أن يشملها «مرونة هذا الفصل» الذي تبناه المشرع الدستوري، والذي يقتصر أثره على العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، اللتين تعملان ضمن إطار التعاون والاشتباك الإيجابي بينهما كركن أساسي من أركان النظام النيابي البرلماني الكامل.
فالمشرع الدستوري قد أوجد نوعا من التشاركية في العمل بين الحكومة ومجلس النواب من خلال تقرير الحق لمجلس الوزراء باقتراح مشاريع القوانين وإصدار القوانين المؤقتة في ظل غياب المجلس النيابي، على أن يثبت لممثلي الشعب الحق بطرح الثقة بالحكومة وإجبارها على الاستقالة.
في المقابل، تبقى السلطة القضائية ممثلة برئيسها والقضاة العاملين فيها بعيدة عن أي ارتباط بالحكومة أو بمجلسي الأعيان والنواب. وقد تعززت هذه الاستقلالية في التعديلات الدستورية لعام 2011 عندما تقرر إنشاء المجلس القضائي بقانون، ليتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين ومتابعة شؤون عملهم.
ومن مظاهر استقلالية السلطة القضائية عن الحكومة أن قانونها الخاص بها يقضي بأن يقوم رئيس المجلس القضائي بتسليم نسخة من التقرير السنوي إلى جلالة الملك، وأن يكتفي بإرسال نسخة منه إلى وزير العدل، الذي هو عضو في السلطة التنفيذية.
ويستمر هذا النهج التشريعي القائم على ربط الجهات القضائية بجلالة الملك مباشرة في المحاكم الشرعية، حيث تنص المادة (15) من قانون تشكيل المحاكم الشرعية رقم (19) لسنة 1972 وتعديلاته على أن يعد رئيس المجلس القضائي الشرعي في مطلع كل سنة تقريرا عن أوضاع المحاكم الشرعية وسير الأعمال فيها خلال السنة السابقة ويعرضه على المجلس لإقراره، وأن يقدمه إلى قاضي القضاة ليرفعه إلى جلالة الملك.
وكذلك الحال بالنسبة للمحكمة الدستورية، التي جرى وصفها في المادة (58) من الدستور بأنها جهة قضائية مستقلة، إذ تنص المادة (25) من قانونها رقم (15) لسنة 2012 وتعديلاته على أن تقوم الهيئة العامة للمحكمة بإقرار التقرير السنوي عن سير العمل فيها ورفعه إلى جلالة الملك.
إن المحكمة الدستورية وإن كانت لا تعمل تحت مظلة المجلس القضائي، إلا أنها تشترك مع كل من المحاكم النظامية والشرعية في أنها تفصل في المنازعات التي لها طبيعة دستورية، وتصدر أحكامها باسم الملك. وهذا بحد ذاته يعتبر مبررا مشروعا لكي تتم معاملتها كباقي الجهات القضائية، وأن يجري ربطها مباشرة برأس الدولة دون وساطة أي من أعضاء السلطة التنفيذية.
إن هذه العلاقة المباشرة لرؤساء المحاكم القضائية مع جلالة الملك قد جرى تكريسها بنصوص دستورية ابتداء من عام 2016 عندما تقرر إعطاء الحق المنفرد للملك بتعيين رئيس المجلس القضائي، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية وقبول استقالاتهم. وليُستكمل هذا الارتباط في عام 2022 عندما تم شمول كل من قاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي بالتعيين المنفرد من الملك دون الحاجة لتنسيب أي من الوزراء ورئيسهم، وذلك عملا بأحكام المادة (40/2) من الدستور.