سارق كلمات
عامر طهبوب
تذكرت وأنا أشاهد فيلم «كلمات» للمخرج «بريان كلوجمان»، عبارة وردت على لسان الكاتب الداغستاني «رسول حمزاتوف»: من يسرق أفكار غيره، كمن يضع يده في جيوب غيره، و»رسول» لا يتحدث عن سرقة عمل أدبي، أو نوتة موسيقية، أو قصيدة شعر كتلك التي سرقها أعرابي بعد أن قتل صاحبها، ليظفر بالزواج من حسناء عربية، أعلنت أنها ستتزوج من أي شاعر يقول فيها قصيدة عصماء، ولولا ذكاء الفتاة الحسناء التي تعرف لهجات العرب، لكانت من نصيب السارق القاتل، فعندما وصل إلى البيت الذي يقول: إن تُتهمي فتهامة وطني، أو تنجدي إن الهوى نجدُ، قالت: اقتلوا قاتل زوجي، وفي ذلك إشارة إلى فوز القصيدة التي لو كتب الله لصاحبها الحياة، لكان زوجها. رسول يتحدث عن سرقة الفكرة .
راق لي فيلم»كلمات»، بطولة «برادلي كوبر»، و»زوى سالدانا»، و»أوليفيا وايلد»، و»جيرمي أيرونز»، و»بن بارنز»، ومن إنتاج «مايكل بينارو»، و»جيم يونغ» عام 2012، والقصة مماثلة لرواية «ليلى ليلى» التي كتبها «مارتن سوتر» عام 2004، وأنتجت فيلماً عام 2009، وأنكر القائمون على الفيلم أنهم أخذوا الرواية عن «ليلى ليلى»، والانتحال الأدبي أنواع، فمنه سطو غير مقصود كما جاء في «كلمات»، محاولة للسطو على كنز مفقود، ومنه ما هو مقصود و»مشتغل عليه»، بحيث لا يبدو مباشراً، وترك نافذة للدفاع عن النفس بحجة التوارد، ومنه ما هو نسخ غبي للنص على مراهنة أن النص الأصلي بعيد عن أعين القراء المعاصرين، وينسحب ذلك على أعمال موسيقية عديدة سرقها كبار موسيقيين ظناً منهم أن الأمر بعيد عن آذان أبناء جلدتهم.
وقصة «كلمات» غير معقدة، عسكري ابتعثه الجيش الأميركي في زمن الحرب العالمية الثانية للخدمة في فرنسا، يحب نادلة فرنسية في غاية الجمال، يتزوجها وينجب منها طفلة سرعان ما فارقت الحياة، حزنت عليها أمها حزناً شديداً، تركت بيت الزوجية، وذهبت للإقامة حيث ولدت في ضاحية من ضواحي باريس، وبسبب ألم تركته لزوجها بالبعد عنه بعد فقدانهما الطفلة، كتب الرجل قصة، وأنهاها بشكل مبدع في فترة قياسية، وعندما ذهب لزوجته في محاولة لإقناعها بالعودة إلى البيت، أعطاها القصة لتقرأها.
عادت المرأة بعد فترة قريبة إلى بيتها عند زوجها في باريس، سألها: هل قرأت القصة؟ قالت: لا، لم أقرأها بعد، قال: وأين هي؟ اكتشفت الزوجة أنها نسيت القصة في حقيبة أخرى في القطار، وفي النهاية، ضاعت القصة، وبعد فترة، ضاعت الزوجة، فَتَرَت العلاقة، تحجّرت، وعاد الرجل إلى الولايات المتحدة، بلا زوجته، وبلا قصته، وبلا ابنته التي وافتها المنية.
وفي الفيلم، يقف الكاتب «كلايتون هاموند» بين الجمهور، يروي قصة الكاتب «روري جنسين»، كاتب روايات فاشل، عجز عن بيع مؤلفاته، إلى أن جاء يوم وسافر مع زوجته «دورا» في شهر عسل إلى باريس، توجهت «دورا» إلى سوق تحف قديمة، واشترت لزوجها حقيبة قديمة، وقدمتها له كهدية، وبعد عودته إلى نيويورك، فتح الحقيبة، فوجد فيها رواية لا يعرف اسم مؤلفها، قرأها، وافتتن بها، نقلها على جهاز «الكمبيوتر» الخاص به، وصادف أن قرأت الزوجة نص القصة على كمبيوتر زوجها، فظنت أنها من تأليفه، شجعته على تقديمها لدار نشر، وبالفعل عرضها على الناشر «جوزيف كارتر»، وبعد أشهر صدرت الرواية، وحققت مبيعات كبيرة، وذاع صيت «روري».
وبينما كان «روري» يجلس في حديقة عامة في نيويورك، اقترب منه رجل مسن يدعى «جاك»، دار بينهما حديث قصير، عبر «جاك» عن إعجابه برواية «روري»، وطلب إليه وهو يحمل روايته أن يوقع له عليها، وأخبره أنه قرأها، وحزن لفقدان الطفلة، ومأساة الأسرة، وأنه شعر أنه يتنقل بين تلك الأمكنة في باريس، وكأنه عاش فيها، وعندما همّ «روري» بالانصراف، قال له «جاك»: هذه القصة هي قصتي، وأنا من كتبها. حاول الشاب التملص من الموقف، إلا أنه اضطر للجلوس، قصّ عليه «جاك» العجوز القصة من أولها إلى آخرها.
ذهب «روري» بعد أيام إلى محل الأزهار الذي يعمل فيه «جاك»، وعرض عليه مبلغاً من المال، جن جنون الرجل، وقال له: إذا كنت تتوقع أن أفضح سرك، فاطمئن، لن أذكر لأحد هذا الأمر، لا يمكن أن أتقاضى منك مالاً على سرقة حياتي، ولكن بما أنك سرقت كلماتي، فلتتحمل أنت الألم نيابة عني، أنا لم أعد أريد شيئاً من الحياة بعد فقدان المرأة التي أحببت، والتي لم تفارق ذاكرتي لحظة واحدة.
وعندما علمت «دورا»، زوجة «روري»، أن زوجها كذب عليها، سألته: ألم تفكر بنا لحظةً عندما فعلت ما فعلت ؟ وفي النهاية فقد الرجل زوجته بسبب القصة، إذ ليس من العدل أن يفقد المعذب الغبي «جاك» زوجته بسبب قصة حب أضاعتها، ولا يفقد «روري» زوجته بسبب قصة حب سرقها. إنها نفس القصة، لكن الحقيقة، وهي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنح الإنسان الراحة في حياته، تقول إن «جاك» أضاع حبه، خسر محبوبته، والحب أهم من قصص الحب، حيث لا تفيد الكلمات، ولا الرقص بالكلمات، إذا راح الفعل، وتقول إن «روري» أضاع احترامه لذاته، خسر احترام زوجته، والاحترام أهم من الحب، وقصص الحب !