صويص عن تصريحات عكروش بشأن أراضي الفحيص: أمر محير وغريب

كتب عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت "لافارج"، الدكتور سليمان صويص، مقالا مطولا ناقش فيه تصريحات لرئيس بلدية الفحيص عمر عكروش، حول قضية أراضي مع "لافارج".

وتاليا نص المقال الذي حمل عنوان: لماذا الهرولة إلى تنظيم الأراضي؟!

كثيرون ممن استمعوا إلى حديث الأخ عمر عكروش، رئيس بلدية الفحيص يوم السبت الماضي (20/8/2022) لاحظوا بأن القضية الأبرز التي تشغل باله هي تنظيم الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت. تكرّر ذلك أكثر من مرة في سياقات غير موفقة، وأكّد على ذلك في الحديث القصير الذي أدلى به إلى قناة «المملكة» في اليوم التالي لإجتماع هيئة الدائنين التي أقرت خطة إعادة تنظيم شركة لافارج في إطار عملية الإعسار. يقول عطوفة رئيس البلدية في معرض تبريره لمداخلته (التي كان يتوقع أهالي الفحيص نشرها على موقع البلدية نظراً لأهمية الحدث) في الاجتماع المذكور: «المقصود إسماع شركة لافارج (أن) هناك جهاز مسؤول عن هذه الأراضي لا بد من إشراك البلدية في مسألة التنظيم». وفي موقع آخر من حديث السبت يقول: «القضاء أشركنا في العملية التنظيمية»!.

إنه أمرٌ محيّر وغريب، خصوصاً عندما اعترف «العمدة» في آخر حديثه في موقع البلدية بأن «سلاحنا الوحيد هو التنظيم». التنظيم شأن يقع في صلب مهمات البلدية ولا شأن للافارج أو القضاء أو وكيل الإعسار أو أية جهة اخرى بقرار التنظيم المحصور بالمجلس البلدي تحديداً. عندما تريد لافارج أو أي مالك ىخر الحصول على التنظيم تقدّم طلباً إلى البلدية التي تتعامل معه مثلما تتعامل مع أي طلب آخر. وإذا كانت المعاملة «ناقصة»، فغن من حق البلدية أن ترفض منح قرار التنظيم قبل إستيفاء جميع الشروط التي تراها ضرورية ويفرضها القانون. إذن، كان الأخ رئيس البلدية يطلب من لافارج ووكيل الإعسار وقاضي المحكمة «صلاحية» هي في الواقع بين يديه، ولا حاجة لإستجدائها من أي طرف كان !

السؤال الذي يقلق القطاع الأوسع من اهالي الفحيص بعد الإستماع إلى حديث رئيس البلدية هو التالي: هل يسعى الأخ عمر عكروش إلى «تنظيم الأراضي» بهذه اللهفة والسرعة والهرولة، وفقاً لمزاجه، او وفقاً لما تريده لافارج، دون العودة إلى أعضاء المجلس البلدي، وبخاصة دون الإلتزام بمخرجات ونتائج الحوار المجتمعي (2019) بكافة محاوره [ المحور القانوني، المحور البيئي ومحور التنظيم الحضري].....أم سيسبق قرار التنظيم تفاوض حقيقي مع شركة لافارج [ بما أنها هي المفوّضة من قبل الدائنين لبيع الاراضي الممخصصة لهم لسداد الديون / يراجع البند ثالثاً في إعلان «إشهار وقائع اجتماع الهيئة العامة 10/8/2022»، المنشور في صحيفة «الرأي» الأحد 21/8/2022]  ــــ تفاوضٌ يُتوّج بالتوقيع على اتفاقيات وتعهدات، مع ضمانات حكومية (كما هو وارد في الكتاب الرسمي المرسل من بلدية الفحيص إلى رئاسة الوزراء في 21/7/2020)، يُلزم لافارج بتطبيق الغستحقاقات القانونية (الربع القانوني من الأراضي، رسوم، عوائد، غرامات إلخ..) ، والقيام بالدراسات المطلوبة منها وفقاً للقوانين؟؟. 

هذا هو الأمر الذي يحتاج إلى توضيح وشرح من قبل رئيس البلدية إلى أهالي الفحيص بكل شفافية وصراحة وأمانة؛ فالمنطق يقول بأن رئيس بلدية الفحيص يجب أن يكون مسكوناً ، بالدرجة الأولى، بهواجس وهموم تحصيل المدينة لحقوقها وحماية مصالحها وتطبيق القوانين على لافارج؛ وليس بهاجس الهرولة إلى التنظيم كيفما كان وعلى حساب الفحيص، أو بدون الرجوع إلى القوانين!.

لماذا نتوقف بمثل هذا التفصيل والوضوح عند مسألة التنظيم ؟ الجميع يدرك بان تحديد الغستخدامات المستقبلية للأراضي سينتهي بقرار التنظيم. ليس في هذا اي خلاف. لكن الجميع يعلم أيضاً بان محاولات شركة لافارج للحصول على قرار التنظيم مع سعيها للتنصل من التزاماتها القانونية ليست بجديدة؛ إنها تعود إلى عام 2016، فمذكرة التفاهم التي وافق عليها المجلس الأسبق ثم تراجع عنها تحت الضغط الشعبي كانت تسعى إلى ذلك.  اليوم، بعد ست سنوات، لو تذهب البلدية إلى قرار التنظيم بدون الضوابط والشروط التي تحدثنا عنها قبل قليل ... عندها سيكون حال الفحيص كحال المثل الذي يقول «..وكأنك يا بو زيد ما غزيت»، أي أننا سنرجع إلى المربع الأول!.

 

ننتقل إلى مسألتين مترابطتين ذات أهمية قصوى تعامل معهما رئيس البلدية بضبابية وعدم موضوعية، وهما : فرض إشارة الحظر، وإعادة تأهيل الأراضي المعدّنة او المجرّفة. اولاً علينا أن نوضح بان لافارج هي التي ناصبت الفحيص العداء وليس العكس، وهذا معروف تاريخياً ، ولا يستطيع أحد أن يزور التاريخ بجرة قلم. لقد طرح موضوع فرض إشارة الحظر في سياق غير موضوعي؛ فالقرار هو من اختصاص البلدية، وهو قرار إداري داخلي بحت، وتم نشر النصوص القانونية التي تزكّي ذلك، ويعرفها جميع اعضاء المجلس البلدي. أما الامر الآخر، فهو ان شركة لافارج هي المعنية بان تثبت بأن الأراضي المعدّنة سليمة ولا تشكل خطراً على السلامة العامة، وبانها صالحة للبناء او للزراعة إلخ.. فهي التي كانت تمارس التعدين والقيام بالتفجيرات في تلك الأراضي وليست البلدية أو أهالي الفحيص ! ولعلم المجلس البلدي، فغن امانة عمان الكبرى، القريبة من الفحيص، فرضت قبل عامين إشارة الحظر في منطقة يوجد بها كسّارة في دابوق على بعد أرض. مجرد كسّارة استدعى فرض إشارة الحظر...فكم بالحري عندما يكون هناك تفجيرات وتلوث تربة بالزيوت المعدنية ووجود قواطع يصل عمقها إلى 70 ـ 100 متر ؟؟ لماذا تبنّي حجج شركة لافارج في هذا المجال؟.
  
صحيح انه تم تعدين (أو تجريف) جائر كلّي أو جزئي على قطع الأراضي التي تبلغ مساحتها 1587 دونما  (فقط 279 دونماً لم تتعرض إلى تعدين كقطع اراضي من بين الأراضي المقام عليها المصنع. ماذا يعني ذلك ؟ لنفترض بان هناك قطعة أرض مساحتها 80 دونماً، تعرّض 20 دونماً منها إلى تجريف؛ عندها تعتبر القطعة كلها مجرّفة، ويعتبر ذلك نوعاً من «المنطقة العازلة» التي تستمر إلى حين الإنتهاء من إعادة التأهيل. لذلك فإن إعادة التأهيل للأراضي المجرّفة كلياً أو جزئياً يظل استحقاقاً قائماً على شركة لافارج. ونذكّر المجلس البلدي الحالي بأن المجلس البلدي السابق سجّل طلباً لدى وكيل الإعسار ، ضمن المهلة القانونية، في تموز 2020للمطالبة بتكاليف إعادة تأهيل الأراضي المجرّفة او المعدّنة. 

نتفق مع الاخ رئيس البلدية بعدم جواز تجزئة الاراضي. صحيح بان انتقال الأراضي إلى الدائنين بدون تنظيم سيبقي الأراضي على ما هي عليه. لكن القيام بالتنظيم من خارج شروط الحوار المجتمعي سوف يعود بنا سنوات إلى الوراء، وسيعود على الفحيص بالوبال الشديد. من هنا تأتي أهمية الكتاب الذي وقّعت عليه الحكومة ولافارج مع بلدية الفحيص عام 2020 والذي ينص على ضمان الحكومة لأية اتفاقيات يتم التوصل اليها. المسألة برمتها ليس لها علاقة بالتشويش او المناكفة  أو طي صفحات إلخ... بل بإستعادة حقوق وحماية مصالح مدينة؛ وهذا لا يتم من خلال القفز عن القوانين والأنظمة والإنجاز الذي تم في مرحلة سابقة. وبصراحة تامة : إن إندفاع رئيس البلدية المتسرع إلى التنظيم دون ضوابط واتفاقيات مكتوبة وممارسة الشفافية هو أكثر ما يخيف أهالي الفحيص في الوقت الحاضر. 

يقر ويعترف الأخ عمر عكروش بأن «سلاحنا الوحيد هو التنظيم»ـ كما جاء في حديثه على موقع البلدية. لكننا نود ان نذكره بالأسلحة الأخرى المتوفرة بيد المجلس البلدي: 1) مواقف أهالي الفحيص الموثقة والمعروفة منذ ست سنوات والتي تتجدّد هذه الايام من خلال بيانات الجمعيات العشائرية ومؤسسات المجتمع المحلي وما تعكسه آراء الناس الواردة في وسائل التواصل الإجتماعي؛ على المجلس البلدي استخدام وتوظيف هذه كلها من أجل وصول الفحيص إلى حقوقها وحماية مصالحها؛  2) مخرجات الحوار المجتمعي التي تمثل موقف وإرادة الفحيص، بلدية ومجتمعاً؛ 3) الغلتفاف الوطني الواسع حول قضية أراضي الفحيص، وآخر مظاهره البيان الذي نشر قبل أيام من اجتماع هيئة الدائنين ووقعت عليه أكثر من مئة وثلاثين مؤسسة وشخصية مثلت مختلف أطياف المجتمع وقوى الوطن الحيّة؛ 4) المراسلات التي تمت بين المجلس البلدي السابق والحكومة ونتائج المفاوضات التي دارت بين المجلس البلدي السابق وشركة لافارج تحت رعاية الحكومة الاردنية.

 

لا نريد أن نستفيض ، وأن نذكّر بتغيير تعريف المنفعة العامة لقطع الطريق على الفحيص للمطالبة بعودة أراضيها بعد انتفاء المنفعة العامة من استملاكها، كما لا نريد أن نذكر بتجاهل شكوى أهالي الفحيص إلى هيئة مكافحة الفساد، ولا بنكران الجميل وإدارة الظهر للمدينة التي ضحت الكثير من اجل الوطن...ولسنا على استعداد للقبول بالظلم لا بالأمس، ولا اليوم ولا غداً. فإما ان يكون للعدالة «مسطرة» واحدة .. وإلاّ فلا. العدالة الحقيقية لا تحتمل إزدواجية المعايير ؛ عندما يكون القانون لصالح لافارج يطّبق بسرعة... وعندما يكون لصالح الفحيص فيكون الوضع «سمعان مش هون»!.
 
نقول اخيراً: الفحيص قوية بإرادة ابنائها ووحدتهم والتفافهم حول الحقوق والمصالح الحقيقية لمدينتهم، وبدعم أبناء الوطن لهم. الفحيص ليست بحاجة لإستجداء أحد. غنها تطالب بحقوقها؛ وكلما أمعنت الأطراف الأخرى في تجاهل هذه الحقوق أو الألتفاف عليها، كلما تمسّكت الفحيص بها وازداد دفاعها عنها.