نايف العبدالات ثلاثون عاما في خدمة الفقر
د. مهند مبيضين
إن كان لي أن اعتام أحداً من الجامعة الأردنية واكتب عنه، فحق الزميل والصديق د نايف البدلات علينا كبير، منذ كنّا طلابا، قبل عقدين ونيف، وهو الذي عُين في الجامعة الأردنية عام 1990 في عهد الرئيس فوزي غرايبة، وكان للتعيين قصة وتحدّ، وقابله في التعيين د مصلح الطراونة الذي تمسك به حين قابله ووجده كفوءاً للتعيين.
درس نايف العبدالات في رومانيا بين عامي 1975-1982 وزمالة بريطانية من جامعة اندبرة عام 1987 واختص في الامراض الباطنية.
يأبي د. نايف الحديث عن شخصه فهو مقل، لكن هذا الرجل الكبير عرفناه طلابا واليوم زملاء ونعمل في عمادة واحدة، وهو يحجز مقعده في ذاكرة الطلاب ويقسم على الجميع، ودوما حين كان في لجنة الموظفين ينظر برؤية ثاقبة لخدمة المؤسسة وغلابي الموظفين.
لكن الجانب الأكثر اشراقا عنده هو خدمته للفقراء، فنحن امام قامة تعرف خارطته جيدا، وتعرف زواياه وتعلم معنى غياب الخدمات الصحية عن الناس، تلك قصة بدأت من بلدة ذيبان القائمة على حدود الغضب والنسيان والفقر، والبداية عام 1992 وما زالت مستمرة حتى نهاية الشهر الماضي في قرى الأزايدة / مادبا والتي غالبا ما يعود إليها العبدالات ومعه افضل الفرق الطبية الوطنية .
يتحدث العبدالات عن الفقر بشغف المكتشف والباكي على مصائر الناس، وعن جملة واحدة في حياة الناس وهي إلهية الكلمات « فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ»، آنذاك وعبر طيلة ثلاثة عقود وقّع نايف العبدالات حضوره في خارطة الوطن الكبير، منتميا للأرض والانجاز الأردني على الصعيد الإنساني الذي هو أفضل وصف لمهنة الطب الإنسانية، بحسب ما يقول.
تلك البداية التي زامنت التحول الديمقراطي الأردني بعد العام 1989 كانت بداية لسلطة الفرق والنقابات والتجمعات الطبية من جديد، والعبدالات نقابي عتيد ومنظم ووازن في نقابته، فكان له ان يضيف بتجربته الطويلة ومن خلال تعاون كوكبة من الأطباء المتطوعين الذين تجاوز عددهم (330) ينتمون لـ(15) مستشفى في القطاع الخاص، المزيد من الإنجاز والسمعة لمهنة الطب حين تكون في خدمة الفقر .
وبدأ الفريق الطبي الهاشمي الذي كان محركه العبدالات في آب 1992 ومازال مستمراً حتى اليوم دون كلل أو ملل ما أوقفته استراحة بسيطة هي جائحة كورونا .
ثم جاء عمله في حملة البر والإحسان ليتوحد هذا الانسجام عام 1998 بتأسيس الفريق الطبي لحملة البر والإحسان / الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية ليصار إلى تقديم الخدمة الطبية من خلال تنظيم الحملات الطبية المجانية وحملات الكشف المبكر عن الأمراض بالتعاون مع العديد من المؤسسات والجمعيات الكبيرة التي تعنى بالخدمة الصحية المجانية والتنمية ومحاولة تقليص مناطق جيوب الفقر؛ حيث تم تأهيل عدد كبير من المرضى للعودة الى العمل ليأتي بعد ذلك معالجة المرضى في المستشفيات وإجراء العمليات الجراحية لهم في أهم المستشفيات الخاصة في عمان.
نايف العبدالات قامة محترمة وطبيب الفقراء وعتبات البوح بالوجع في قرانا وبوادينا ومخيماتنا، لم يشأ القفز المظلي من مهنته للسياسة والمناصب يقول:» لم أسعَ الى منصب ولا جاه من خلال هذا العمل وكنت أفتخر عندما يقول بعض رؤسائي من النقابات والجامعات بأني رائد العمل الطبي التطوعي وهذا أكبر وسام لي وأعظم شأن في خدمة بلدي، هذه هي مواطنتي الصالحة التي أعتز بها خلال ثلاثين عاماً من العمل الطبي التطوعي» .