الخطاب الديني .. بين الإصلاح والمتاجرة
عمر كلاب
من يستمع إلى تبريرات بعض قيادات الجمعيات المتدثرة برداء التدين, يصل الى قناعة بأن التجارة هي عنوان مراكز كثيرة تستحضر الخطاب الديني للتجارة والمتاجرة, فكيف يمكن تبرير فقدان دفاتر سندات قبض وصرف, دون ابلاغ الجهات المختصة, وما معنى أن تعمل أسرة كاملة «زوج وزوجة وابناء وزوجات ابناء وازواج بنات» في جمعية تتدثر برداء التدين وبرواتب عالية, بل كيف لشخص لا يمتلك ادنى مؤهلات علمية, بل يحمل شهادة دبلوم تقني ادارة اكبر جمعية تحت لافتة دينية وبراتب يفوق راتب امين عام وزارة حكومية؟
التبريرات كلها, تنصب على ان البطالة وضرورة ايجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل من الأردنيين هي سبب التوسع في الفروع لهذه الجمعيات والمراكز, وعندما تقول ان العاملين هم من الاقارب والانسباء, يقولون لك اليسوا أردنيين؟ الاجابة صحيحة ولكن اليست تلك المراكز ومن يقف على رأسها وخلفها, هي التي تنادي بالعدالة ومكارم الاخلاق؟ اليست هي نفسها التي تهاجم تعيينات المحاسيب والانسباء والاصدقاء في القطاع العام والدوائر الرسمية؟ فكيف نثق بمن يستثمر التدين لتعليم ابنائنا مكارم الاخلاق؟
هذا مثال واضح على المتاجرة بالدين, ولنأخذ في المقابل، مثالاً آخر للدين حين يكون مدخلاً للإصلاح, كما يقول الدكتور معتز بالله عبد الفتاح: التمرة، والفأس، والسفينة، والفسيلة، والثغر هي الرموز الخمسة التي يمكن أن نبني عليها روح الإصلاح، كما كتبت، وقال آخرون من قبل, وهذه الرموز مستقاة من كلام الرسول، صلى الله عليه وسلم، لتكون أقرب إلى المكونات التي ينبغي أن يتخلق بها كل من يجعل قضية النهوض سواء الشخصي أو الجماعي قضيته الرئيسية.
فهناك أولاً روح التمرة التي أوصانا الرسول بأن نتبرع ولو بشق منها (أي بجزء منها)، وعليه فلا يحقُرَن أحدنا من المعروف شيئاً، وأحياناً أقول لبعض الشباب: ابدأ الإصلاح حيث أقامك الله بأن يجعل لنفسه أجندة إصلاح، بالمعنى المادي، يكتب فيها ما يراه خطأ واقتراحاته لكيفية الإصلاح، ويناقشها مع من يتخير من الزملاء ويرفعها لمن هم أعلى منه في السلم الوظيفي، أو هي له حين يترقى إلى موقع المسؤولية.
وهناك ثانياً روح الفأس التي تشير لأن يعتمد كل منا على نفسه قدر استطاعته، وألا يجعل من الواسطة أو المعارف مسوغ نجاحه. وقد أشار الرسول إلى الفأس، حين قال للرجل الذى أراد صدقة أن يبيع ما يملك وأن يشتري فأساً، وأن يذهب ليحتطب حتى يعمل، وألا يكون عالة على الآخرين.
وهناك ثالثاً روح السفينة، التي تقتضي منا ألا يفكر أحدنا بمنطق أنه يستطيع أن ينجو بمفرده، وأن يترك الآخرين يخرقون قاع السفينة خرقاً غير آبهين بالصالح العام، فهي مركب واحد لنا جميعاً، وحين تشرق الشمس، فستشرق على الجميع, وهناك رابعاً روح الفسيلة التي نحن مأمورون بزراعتها حتى ولو كانت القيامة بعد ساعة، فمسؤولية الإصلاح دائمة ومستمرة حتى ولو لم نر عوائدها في حياتنا, وخامساً روح الثغر، التي تعني أن كلا منا على ثغر من ثغور الإصلاح، كل في موقعه ومجاله، وكل مطالب بالاجتهاد والتفكر كيف يصلح ما هو عليه قبل أن يفكر في إصلاح ما هو بعيد عن دائرة تأثيره.