المبادئ الأساسية لتنظيم العمل الحزبي
د. ليث نصراوين
تسود حالة من الترقب بين الأوساط السياسية والأكاديمية بانتظار إقرار نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي، والذي يأتي تنفيذا لأحكام المادة (20/أ) من قانون الأحزاب السياسية لعام 2022 التي تعطي الحق لطلبة مؤسسات التعليم العالي الحزبيين بممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم هذه المؤسسات من دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم، وذلك بموجب نظام خاص ينظم هذه الأنشطة.
إن المبادئ الأساسية التي يجب أن يستند إليها التشريع المنوي إصداره لغايات تنظيم العمل الحزبي في الجامعات يجب ألا تختلف من حيث الغايات والأهداف عن أي قواعد قانونية تنظم ممارسة الحقوق السياسية الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأشخاص المراد تكريس هذه الحقوق لهم كطلبة جامعات، والمؤسسات التعليمية التي سيتم السماح لهم بممارسة الأنشطة الحزبية فيها.
فنقطة الانطلاق في تنظيم الأنشطة الحزبية في الجامعات يجب أن تتمثل في الإقرار بالدور المهم للأحزاب السياسية في المرحلة الإصلاحية القادمة، وبأنها الكيانات الوطنية المراد لها الوصول إلى السلطة وإدارة الشؤون الداخلية والخارجية وفق أحكام الدستور. فهي الأداة القانونية القادرة على الاضطلاع بدور أساسي في ضمان التعددية وسلامة الأداء الديمقراطي، وبأنها التنظيم الوطني الأمثل لتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة.
وعليه، فإن أية قيود قد تفرض على ممارسة الأعمال الحزبية يجب أن تكون استثناء على الأصل الدستوري العام، وأن تكون متوافقة مع المعايير الدولية الخاصة بتنظيم الحقوق والحريات الأساسية، والتي تشترط في القيود على الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانتساب إليها أن ترد بنصوص واضحة وصريحة في القانون الوضعي، وأن تكون ضرورية في أي مجتمع ديمقراطي لحماية النظام العام والأمن الوطني.
كما يجب على القيود المقررة على الحياة الحزبية أن تكون متناسبة بعناية مع الأخطار والتبعات المتوقع حدوثها في حال السماح بممارسة الحقوق السياسية على إطلاقها، وألا تكون هذه التقييدات مرتبطة بإفرازات النشاط الحزبي وطبيعته أو بأي من القائمين على إدارته، بل يجب أن تستند إلى هدف ضروري ومشروع يتمثل بحماية المصلحة العليا ومنع الاعتداء على حقوق الغير.
وعند تطبيقها لهذه القيود الاستثنائية على ممارسة العمل الحزبي، يجب على الدولة وإداراتها المختلفة أن تحقق العدالة والمساواة، وألا تمايز بين المنتسبين للأحزاب السياسية على أساس المبادئ والأفكار والتوجهات السياسية، بحيث لا تتحول هذه القيود إلى أدوات لإحداث فروقات إيجابية أو سلبية بين الأفراد أو الجماعات الراغبة في التعبير عن أفكارهم الحزبية والسياسية.
ومن المبادئ التوجيهية الأخرى ذات الصلة بتنظيم العمل الحزبي ضرورة أن تكفل الدولة حماية حق الأفراد في حرية التنظيم والنشاط السياسي، بأن تمتنع هي ذاتها أو أي إدارة وطنية أخرى عن التدخل غير المبرر في ممارسة الأفراد لحقوقهم السياسية، وأن تتدخل بعقلانية في حال حدوث حالة من حالات الاشتباك السلبي، لصالح رفع أي انتهاك غير مشروع على الحق في ممارسة العمل الحزبي.
وفي هذا الإطار، يجب أن تُعطى الأحزاب السياسية فرصة للتظلم والاعتراض على أي قرار حكومي قد يرى فيه القائمون على إدارتها بأنه يشكل انتهاكا لحقوقهم السياسية، وأن يثبت لهم الحق في اللجوء إلى القضاء في حال لم تستجب الإدارة لنداءاتهم وطلباتهم برفع الظلم والتعسف عنهم.
وقد لا يكفي في بعض الحالات قيام الدولة بتصحيح الوضع والانتصار للحقوق الدستورية، بل قد يترتب عليها مسؤولية قانونية تتمثل بالملاحقة القضائية وإلزامها بالتعويض. وهذا ما كرسته المادة (4/د) من قانون الأحزاب السياسية الحالي الذي يعطي الحق لكل من وقع عليه تعرض بسبب انتمائه الحزبي أو نشاطه السياسي أن يلجأ إلى المحاكم المختصة لرفع التعرض، والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
في المقابل، يتعين على الأحزاب السياسية أن تقبل بالنصوص التشريعية التي تحرمها من أي امتيازات من المال العام، وأن يتم ربط الدعم الحكومي لها - والذي يجب أن يكون في أدنى مستوياته - بنشاطها وديناميكيتها الحزبية، وقدرتها على التوسع الأفقي والعامودي في المجتمع بشكل سيزيد من فرص تمثيلها في البرلمانات المنتخبة.
كما لا بد وأن توافق الأحزاب السياسية على كافة الترتيبات المالية التي تفرضها القوانين والأنظمة، والتي تسعى إلى ضمان الشفافية والعلانية في الإيرادات والتمويل المالي، وكيفية الصرف على أنشطتها الحزبية التي ستعقدها سواء أكانت داخل المؤسسات التعليمية أم خارجها.
إن حرية العمل الحزبي في المؤسسات التعليمية هي حرية مسؤولة لها ضوابطها وقيودها التي يجب ألا تخرجها عن إطارها الدستوري السليم.