أين حماس؟

يتساءل الشارع العربي والإسلامي عن سر غياب حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن المعركة الدائرة بين قوات الاحتلال وحركة الجهاد الإسلامي، في غزة.

ويرى مراقبون أن حركة حماس، تركت الجهاد الإسلامي وحيدة حتى الآن في مواجهة الهجوم الإسرائيلي على القطاع، وبدا كأنها حرب الجهاد، أو أنه بالنسبة لحماس ليست هناك مصلحة أو نتيجة، وليس وقتاً جيداً لخوض الحرب.

هذه ليست المرة الأولى التي تترك فيها حماس، الجهاد، في مواجهة مع إسرائيل، وهو تكتيك نجحت إسرائيل في فرضه على قطاع غزة مرتين؛ الأولى عام 2019 والثانية في هذه الحرب المستمرة (حتى الآن).

في 2019، عندما قتلت إسرائيل القائد في سرايا القدس، بهاء أبو العطا، وقالت إنها تستهدف الجهاد فقط. كانت هذه أول مرة تستخدم فيها إسرائيل هذا التكتيك، وتنجح في تحييد حماس. آنذاك، أعلن جيش الاحتلال أنه لا يستهدف حماس، وأن عليها أن تبقى خارج اللعبة، وهو ما تم فعلاً.

قبل العدوان، ضغطت حماس على حركة الجهاد من أجل عدم التصعيد، وهو ضغط مارسته مصر كذلك، على قاعدة أن الجهاد هي التي ستبدأ المواجهة بناءً على الرواية الإسرائيلية المضللة التي اتهمت لأيام الجهاد بالسعي للانتقام بعد اعتقال مهين لقائده في شمال الضفة الغربية بسام السعدي، الأسبوع الماضي، قبل أن تفاجئ تل أبيب الجهاد والآخرين بهجوم مباغت بدأ باغتيال مسؤولين في الحركة.

وحرص الاحتلال على عدم استفزاز حركة حماس بهدف إبقائها خارج المعادلة، لأسباب متعلقة بالقوة، وثمة فارق مهم بين حماس والجهاد، على الأقل أن تأثير الحركة الحاكمة أكبر وأقوى بحكم السيطرة والعدة والعتاد وعدد المقاتلين وتطور نوعية الأسلحة بين يدي مقاتليها.

لكن هل ستبقى حماس بعيدة؟

ما زال مبكراً حسم الأمر، لكن المحلل السياسي طلال عوكل، يرى أنه لا يمكن للحركة أن تظل بعيدة فترة أطول.

وقال عوكل لـ"الشرق الأوسط"، "أعتقد يوجد تكتيك فلسطيني مختلف، بمعنى أن الفصائل قررت أنها لن تبدأ كلها بالرد بقوة، هذه المرة هناك حديث عن حرب استنزاف طويلة، وحتى (الجهاد) لم تستخدم قوتها الأساسية. أعتقد أننا أمام استخدام متدرج للقوة ورد يتسع أكثر وأكثر حتى مشاركة باقي الفصائل".

ورأى أنه ليس من الجيد لحماس البقاء بعيدة، لا سياسياً ولا معنوياً، إذ إن صورتها لن تكون وردية في حال استمر هذا الاشتباك بين حركة (الجهاد) والاحتلال، وظلت بعيدة.

وحذر عوكل من أن معياراً مهماً وصلت له الفصائل في حرب العام الماضي، مهدد إذا بقيت الجهاد وحدها. وقال إن خطاب المقاومة منذ العام الماضي كان مختلفاً، عالياً وموحداً ويتضمن توحيد الساحات... ومن قال إن المعركة ستظل حدودها مع (الجهاد) أو في غزة فقط.

ويعتقد عوكل أن "حماس لا تستطيع البقاء خارج المعادلة، وإعطاء إسرائيل فرصة الاستفراد بالجهاد وحدها في غزة فقط. لكن في اليوم الثاني للمعركة، لم تكن حماس أطلقت حتى طلقة واحدة".

وبشكل لافت، أصدرت "سرايا القدس"، التابعة لـ"الجهاد"، بياناً قالت فيه: "في عملية مشتركة ضمن عملية وحدة الساحات... سرايا القدس وكتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى لواء نضال العامودي يستهدفون مستوطنات (نتيفوت - سديروت - كيسوفيم - العين الثالثة - صوفا) برشقات صاروخية".

ربما كانت السرايا تريد الضغط على حماس وإحراجها من أجل مشاركة بقية الفصائل في هذه المعركة، لكن أيضاً ربما كانت رسالة أخرى تتعلق بأن الفصائل تشارك تدريجياً في هذه المعركة وصولاً لحماس.

وتدرك إسرائيل جيداً أن حماس ستكون العامل الحاسم الذي يحدد طبيعة المعركة وأمدها.

وقال المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، إن إسرائيل تسعى جاهدة لإنهاء العملية بأسرع ما يمكن متجنبة انخراط حماس.

وكتب الصحافي الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في إسرائيل يوسي ميلمان، أنه يجب على إسرائيل إعلان انتهاء الجولة، ووقف القتال، قبل أن يتعقد الوضع. باعتبار أن "الإنجاز الرقم 1 هو أن (حماس) لم تطلق صاروخاً أو رصاصة واحدة، وهذه إشارة إلى أن (حماس) تريد الهدوء".

ستظل مشاركة حماس ممكنة في كل لحظة، وأغلب الظن أن ذلك سيعتمد على تطورات المواجهة في غزة، وما يقال في الكواليس.