التضليل والتحليل في علاقات الأردن بإيران
ماهر أبو طير
لافت للانتباه جدا تورط المحللين شبه الرسميين بكل اتجاه جديد للسياسة الأردنية الخارجية، فإن أعلن الأردن الحرب على مينمار، أعلنوها، وإن أعلن الأردن السلام مع موزمبيق صفقوا له.
المحللون الذين يتبنون توجهات الدولة حيثما تقلبت ومالت، كارثة على الدولة، ويكلفونها الكثير، فهم بلا مصداقية، ولا يتركون مجالا للموضوعية، بل ينسخون الرواية الرسمية، ويعيدون انتاجها، ويبيعون الناس، ذات الافكار، بقوالب جديدة، عبر اطلالات صفراء لا يأبه بها احد.
الذي يريد ان يعطي رأيه في السياسة الخارجية، يجب ان يقول الحقيقة، لا أن يتلاعب بها، أو يلاحق الاشارات الرسمية، التي تتقلب، تارة تنتقد ايران، وتارة تغازل ايران، وهو بالتالي يتطابق معها، تارة ينتقد ايران، وتارة يغازلها، وكأنه ينقصنا كلام سطحي، وتصيد للسمك في البحر الميت.
العلاقة مع ايران نموذج لهذه الظاهرة، اي التلون والتقلب في الآراء وفقا للرأي الرسمي، فإن صعّد الأردن حدة خطابه ضد الايرانيين، صعّد العباقرة عندنا من لهجتهم، وان جاء الخطاب الرسمي ناعما، تعامى هؤلاء عن كل شيء، على اساس انهم يقومون بخدمة ثورية لبلادنا.
هناك محددات اربعة في ملف العلاقة الأردنية مع ايران، تحكم العلاقة الأردنية مع ايران، وهذه المحددات، تتعلق اولا بالملف السوري، والتأثيرات الايرانية داخل سورية، واي مخاطر قد تتبدى عبر الحدود مع الأردن، عبر ايران مباشرة، او جماعاتها، وثانيا التدخل الامني الايراني في الأردن، ذاته، اذا كان هناك تدخل في هذه الفترة، عبر وسائل مختلفة، وثالثا، المهددات الايرانية لدول المنطقة، وما تتعرض له دول مثل السعودية، وغيرها، من مخاطر ايرانية مباشرة، او عبر اليمن، او مناطق، او وكلاء في العراق، او اي منطقة في العالم العربي، ورابعا ما يرتبط بالموقف الدولي وتحديدا الاميركان، وتقلبات العلاقة مع الايرانيين، وتأثر الأردن المباشر بالموقف الاميركي.
لا الأردن، ولا بقية الدول العربية، تريد حربا مع ايران، ولا احد يبحث عن حرب في هذه المنطقة المبتلاة بمشاكل كثيرة، وكل ما تريده المنطقة، هو الاستقرار، وكان لا بد ان تسعى ايران من جهتها للاستماع الى ما تريده المنطقة، والتجاوب مع مخاوف جوارها التاريخي، ودوله، فهذا امر يدل على الحكمة، بدلا من اشتباك الايرانيين مع عشرات الجبهات في المنطقة العربية ودول العالم، وقد كان الاولى ان تختصر ايران على نفسها، وعلينا، كل هذه الجبهات المفتوحة في كل مكان.
معنى الكلام هنا انه لا يكفي ابراق رسائل الغزل بين الجانبين الأردني والايراني، بشكل معزول عن الاقليم، والمنطقة العربية، لأن الأردن هنا غير قادر على فرض سياق مستقل له بالكامل، يتجاوز رأي دول المنطقة التي يتحالف معها، او حتى ما يريده الاميركيون او دول اوروبية في هذا الملف.
ادارة الموقف من الملف الايراني على ألسن المحليين والمعلقين المحليين، بهذه السطحية، عبر الكلام فقط عن ثنائية العلاقة بين عمان وطهران، بمعزل عن المحددات الاربعة السابقة، يعبر عن خفة سياسية، لان الملف معقد جدا، ولو افترضنا ان الايرانيين تجاوبوا مع مصالح الأردن في سورية، وعلى الحدود الأردنية السورية، فإن الفيصل النهائي في هذه القصة، اقليمي ودولي، وليس محليا، لمجرد اننا نريد، او لا نريد، فهذا ايضا اغراق للناس بالمركزية ووتوهيم بالعظمة.
خلاصة الكلام ان الأردن لا يقرر وحيدا في الملف الايراني، حتى لو تجاوبت طهران مع طلبات الأردن ومخاوفه، لأن الأردن هنا جزء من حزمة اكبر، تواجه تحديات مختلفة مع الايرانيين، وفك العقد في خريطة المنطقة، قد يبدأ من الحدود الأردنية السورية، على فرض تجاوب الايرانيين مع الأردن، لكنه بالتأكيد لا ينتهي هناك، فهناك ملفات عالقة مع دول الخليج العربي، وفي العراق، وسورية، واليمن، اضافة الى المشاكل الناجمة عن الملف النووي الايراني، وملف الصواريخ.
هذا ليس تحريضا ضد ايران، لكنها محاولة للتذكير فقط، اننا لسنا كل المنطقة. نحن طرف من ضمن مجموعة اطراف، وتحسين العلاقة مع ايران، لا يمر عبر عمّان وحدها.
فرق كبير بين التحليل، والتضليل ايها السادة.