أبوية الرئيس

مقال بقلم ماهر أبو طير

لا ادري ماهي الرسالة التي يوصلها رئيس الوزراء، بنسخ وتكرار سلوك سابقيه، من حيث زيارة قاعات الثانوية العامة في الاردن، والدردشة مع الطلبة، والتقاط الصور، ثم مغادرة الموقع.

ما هو اهم من هذه المشاهد الابوية، يتعلق بأمرين، اولهما مدى عدالة امتحان الثانوية العامة في تقرير مستقبل الطلبة، وهل يعد الامتحان اساسا، وسيلة مناسبة في هذا العصر للانتقال الى الجامعة، بعد ان تغيرت وسائل الدول بخصوص الالتحاق بالجامعات، واختيار التخصصات.

ثانيهما ما يتعلق بانتشار مئات الاف الطلبة من الصفوف المختلفة، في شوارع البلد، في اجازة الصيف، بلا منهج ولا خطة، في مشهد مريع يؤشر على اننا امام كارثة بشأن تأهيل هذه الاجيال، والمصير الذي ينتظرها، ويكفي مشهد الطلبة في اغلب مدارس الاردن حين ينهون الامتحانات وهم يمزقون كتبهم ودفاترهم على ابواب هذه المدارس منتقمين من التعليم، ومن حياتهم كلها.

هكذا مشاهد هي التي توجب على رئيس الحكومة وفريقه الوقوف على قدم واحد، من اجل منع الانهيارات على صعيد شخصية هذه الاجيال، والى اين تذهب في ظل نظام اجتماعي عقيم جدا.

الذهاب لتفقد قاعة امتحانات عمل من أعمال مدراء دوائر التربية، وليس من عمل رئيس الحكومة، ولا وزير التربية والتعليم، اذ عليهما واجبات اخطر تتعلق ببنية التعليم في الاردن، ومستقبل الشباب، والبنية التربوية التي تتراجع، وضعف التحصيل، وكل هذه التراجعات.

ربما على رئيس الوزراء ان يجمع كل فريقه ومراجعة الوضع على مستوى الطلبة، بدلا من ابراق رسائل ابوية حول العطف على الطلبة، فلا الحكومة تنفق عليهم، ولا الحكومة تمول كلفة المراكز الثقافية لتعزيز تحصيلهم، ولا تدفع كلفة المدرسين الخصوصيين، ولا تؤمن لهم تعليما كافيا، في ظل اكتظاظ الصفوف المدرسية، ولا تدفع رسوم جامعاتهم لاحقا، ولا كلياتهم، فلماذا يراد القفز على اكتاف كل هذا المشهد، والدخول الى جانب معين، واهمال كل الجوانب السلبية التي تتراكم منذ سنوات طويلة، دون أن يأبه بها احد في هذه البلاد، بحيث بتنا امام اجيال خطيرة.

مئات الاف الطلبة لا يهتمون بالتعليم، ومعايير التربية في البيوت والمدارس تراجعت بشكل كبير، بل ان الاباء والامهات نادرا ما يذهبون الى المدارس الحكومية للسؤال عن ابنائهم، وظواهر التدخين والتطاول على المعلمين، وضعف التحصيل، واخراج الطلبة من مدارسهم للعمل، ظواهر تتعمق يوما بعد يوم، وهي قصة قد لا ترتبط بهذه الحكومة حصرا، او رئيسها او وزير تربيتها، لكنها موروثة ومتراكمة، ولا احد يحاول وقف هذا التدهور ونكتفي فقط بصناعة السمعة من خلال لقطة كاميرا، تريد ان تقول للشعب ان كل الطلبة في حضن الحكومة الدافئ ليل نهار.

هل طلبت الحكومة تقريرا من الجهات المختصة عما يفعله مئات الاف الطلبة في الصيف مثلا، غير لعب كرة القدم في الشوارع، او التسكع، او التدخين، او العمل في ورش البناء، وغير ذلك من قضايا يعف اللسان عن ذكرها، والقلم عن كتابتها، او تبديد الوقت بكل ما هو غير مفيد، بما يهدم اصلا اي مكتسب تربوي او تعليمي من المدارس او البيوت، ويعيدنا الى الاستخلاص الاهم ان كل هذه الاجيال ستكون عنصر تهديد بنيوي، فهي اجيال يائسة، لا يرعاها احد فعلياً.

لا يجوز ان نواصل اللجوء الى اساليب قديمة، في زمن تغيرت فيه الظروف والتحديات، اذ ان صور رؤساء الحكومات وهم يتفقدون قاعات التوجيهي، تصلح قبل ثلاثة عقود في زمن الحكومات الابوية الشمولية، اما مع مشاكل التعليم الحكومي، اليوم،  ونشوء مسارب التعليم الخاص، والانظمة الاجنبية في التعليم، ومهددات التربية التي تتدفق على هذه الاجيال بطرق مختلفة من الشارع وصولا الى وسائل المعلومات والاتصال، فلا بد من حلول جذرية تنزع الالغام، بدلا من الدوس عليها، وكأن لا شيء يحدث، في عمق هذه البلاد، وظاهرها وباطنها.

لدينا ازمات لا تدار بأبوية، لان الابوية مطلوبة من الاهالي في البيوت، فيما الحكومات عليها واجبات ثانية، اقلها اصلاح اي خلل، وتدارك التغيرات السلبية قبل وقوعها.