نظرة في العلاقات الأردنية - الروسية

 

د.حسام العتوم

يكفينا فخرا بأن جلالة الملك عبد الله الثاني تربطه بإسم المملكة الأردنية الهاشمية وكزعيم عربي قدير علاقة شخصية متينة مع سيادة رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير فلاديميروفيج بوتين، ومع روسيا الإتحادية صديقة الأردن والعرب إلى جانب دول العالم، وزيارات ملكية سامية رفيعة المستوى سنوية لموسكو وسوتشي (2021)، ومنذ عام 2001، وأكثر من زيارة رئاسية روسية للأردن قام بها الرئيس الأسبق بوريس يلتسين عام 1999، والرئيس السابق دميتري ميدفيديف عام 2011، والرئيس بوتين عامي 2007 2012، وتقديم الأردن لقطعة من الأرض لروسيا في منطقة ( المغطس ) بالقرب من البحر الميت حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام بإعتراف ( الفاتيكان )، وبناء كنسية روسية، وتحول المنطقة هناك حجا للديانة المسيحية، وتبادل تجاري وصل إلى نصف مليار دولار، وإمكانات تطوير التبادل التجاري والثقافي والتعلمي والتنكولوجي بين الأردن وروسيا متوفرة خاصة في مجال تطوير المواصلات، والطاقة النووية، ودراسة الطب، والزراعة، والسياحة خاصة الدينية منها. وزيارات دبلوماسية وإقتصادية وسياسية دائمة بين البلدين.

وعمق علاقة الأردن بالدولة الروسية تاريخية متطورة، بدأ ماراثونها الملك العظيم الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه في زمن الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1963، وتصريح جديد لجلالة الملك عبد الله الثاني قال فيه وبما معناه بأن الحضور الروسي في سوريا شكل عاملاً هامًا للتهدئة، وقصد جلالته وقتها أمن الحدود الأردنية السورية، حيث سيملئ فراغ الحدود إلى جانب الجيش العربي السوري إيران وميليشياتها، وحزب الله، وفصائل من عصابات تنظيم " داعش " الإرهابية الناهضة من جديد بعد زوال جائحة كورونا، وأمن الأردن هاجس دائم لجلالة الملك وللأردنيين، وجيشنا العربي الأردني الباسل، وأجهزتنا الأمنية الأردنية الموقرة – العيون الحمر الساهرة على أمن الوطن على مدار الساعة تقف بالمرصاد لكافة محاولات الإختراق الأمني وفي مجال تجارة آفة المخدرات الخطيرة .

وفي الوقت الذي تحتفل فيه روسيا الإتحادية الصديقة بيوم روسيا، وهي المناسبة الوطنية الروسية الكبيرة التي يحتفى بها روسيا ووسط البلاد الصديقة لروسيا، يتجدد الحدس لدي بأن جلالة الملك عبد الله الثاني سيزور عاصمة روسيا الإتحادية ( موسكو ) في شأن آخر مستجدات العلاقات الأردنية – الروسية، ومسألة التحدي الذي يواجهه الأردن بسبب تعقد الوضع الأمني في الجانب السوري الجنوبي المحاذي للحدود الأردنية شمالاً، وللإطلاع عن قرب على تطورات مسار العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا التي إنطلقت بتاريخ 24 شباط 2022 كما أعتقد، ويصعب بالنسبة لي توقع أن يزور جلالة الملك العاصمة الأوكرانية ( كييف ) في جولته القادمة بسبب حالة عدم الإستقرار هناك. والأردن يقف على مسافة واحدة من الحرب ( العملية ) في أوكرانيا، ومثلما نتمنى هنا في الأردن كل الخير لروسيا الإتحادية الصديقة، نتمنى أن تتمكن العاصمة ( كييف ) من أن تحافظ على سيادتها وأمنها على أرضها في الجناح الغربي الأوكراني خاصة بعد إستقلال الأقاليم الثلاثة ( القرم، والدونباس، ولوغانسك )، مع فارق تبعية القرم لروسيا، والدونباس ولوغانسك لدولتيهما المستقلتين في جوار الدولة الأوكرانية حسب مجريات أحداث التاريخ المعاصر، ووسط نهايات الحرب الدائرة التي نتمنى لها أن تنتهي وتستبدل بسلام دائم عادل .

وتعامل النخبة السياسية في بلدنا الأردن، وهي المحسوبة على المدرسة الغربية – الأمريكية مع الموضوع الروسي وعلاقته بالحرب الأوكرانية، التي تأتي من الجانب الروسي على شكل عملية عسكرية تحريرية إستباقية دفاعية نظيفة، تمامًا كما أوضِّح في مقالاتي التحليلية العميقة المتخصصة، وهي حرب بالوكالة من الجانب الأوكراني الغربي نيابة عن الغرب الأمريكي – البريطاني مجتمعًا لتحقيق أهداف بعيدة المدى تصب في صالح إدامة الحرب ،وإستنزاف روسيا، ومهاجمة روسيا ومحاصرتها رغم وجود معاهدة سلام مشتركة أوروبية – روسية تحدث عنها سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا مؤخرًا، نلاحظها تستخدم مصطلحات ( الإحتلال، والغزو، وقرار الحرب الخاطيء، والعقوبات الإقتصادية التي ليست لصالح روسيا، والنصر لصالح أمريكا والحرب الروسية غير النظيفة، وهكذا دواليك عبر الإعتذار أو الصمت).

وتعليقي الموضوعي هنا وبعيدًا عن المصالح الشخصية التي تراود المدرسة الغربية في بلدي غالبًا، أقول بأن الحرب الروسية في أوكرانيا ليست حربهم، ولا قرارهم، رغم إتخاذهم قرارًا جماعيًا حولها وليس فرديًا بوتينيًا ديكتاتوريًا كما يشاع وسط ماكينة إعلام الغرب وروادها في الشرق، ولم تسهدف روسيا إحتلال غرب أوكرانيا أو العاصمة ( كييف )، وتعاملت مع إقليم شبه جزيرة ( القرم ) بطريقة ديمقراطية وعبر صناديق الإقتراع، وانتصرت لإستقلاله ضمن السيادة الروسية الأبدية، وهو قرار شعبي قرمي وروسي تاريخي، والتاريخ العميق ينصف أحقية روسيا بإمتلاكه من جديد منذ زمن الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية عام 1783، وإلى الأمام مع قدوم عهد الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1954، وبطريقة مختلفة تمامًا إقتربت من إقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) هذا العام 2022، بعد إعلانهما الإستقلال عن الدولة الأوكرانية، وطلب الإعتراف والتعاون والدفاع المشترك من جارتهما الحدودية والديمغرافية والسياسية روسيا الإتحادية، وفي شرق أوكرانيا يعيش نصف مليون روسي و3.50 مليون ناطق باللغة الروسية، وموالاة مطلقة لروسيا وعدم إنسجام مع نظام ( كييف ) السياسي المحسوب حديثًا على التيار البنديري نسبة لجدهم ( بندير ) في عمق أتون الجناح الهتلري النازي في الحرب العالمية الثانية 1939 1945.

ولم يخطيء الروس في حربهم التي يريد لها الغرب الأمريكي – البريطاني عبر ضخ السلاح والمال الوفيرين أن تنتهي، بل تأخروا، وكان من الممكن أن تكون مع بدء إنقلاب عام 2014 الدموي الذي إستهدفهم أولاً، وذهب لإغراء ( كييف ) بدخول حلف ( الناتو ) العسكري المعادي لروسيا ،والتاريخ المعاصر شاهد عيان على محاولة روسيا وطلبها الإنضمام ( للناتو ) عام 2000 لإنهاء الحرب الباردة وسباق التسلح، وإرتكاز روسي على المادة 517 من مواد الأمم المتحدة التي تخول الدولة العضو في الأمم المتحدة المعتدى عليها مثل روسيا أن تدافع عن نفسها، وإصرار روسي على أن تكون عمليتهم العسكرية نظيفة تتعامل مع السكان الأوكران الأشقاء معاملة حسنة، بعكس تعامل الجيش الأوكراني وفصائل ( أزوف) الأوكرانية المتطرفة والعنصرية لدرجة النازية مع أسرى الجيش الروسي معاملة سيئة وصلت لدرجة فقئ العيون وقص أعضائهم البشرية، وهو أمر مخالف لقانون أسرى الحرب الدولي، ومن إكتشف المصانع البيولوجية الأوكرانية - الأمريكية المشتركة في أوكرانيا هم الروس، وحذروا من خطورتها في نشر فايروس ( كورونا ) المصنع، ومن وقوف أمريكا مجددًا خلف نشر فايروس جدري القرود الأكثر خطورة، وهو الذي حذر بشأنه الجنرال الروسي (كيريلوف ). وما دار من تضخيم لحادثة مدينة ( بوجا ) الأوكرانية قرب العاصمة ( كييف ) وتصويرها على أنها جزء من حرب الإبادة من قبل روسيا ثبت دبلجته، وهو ما كشفه العسكري الفرنسي ( أدريان بوكيه )، وسبق للصحفية الأمريكية ( لارا لوجان ) العاملة في صحيفة (fox nations ( أن أكدت ضلوع بلادها أمريكا في الثورات البرتقالية في ميدان ( كييف ) التي جهزت إنقلاب عام 2014.

ولدينا في الأردن طبقة مثقفة غير سياسية يصعب عليها فهم روسيا وحربها في أوكرانيا، وتبدو كما النخبة السياسية متأثرة بالفوبيا الروسية، وبالرهاب الروسي غير المبرر، بمعنى الخوف غير المبرر من روسيا ومن سياستها الخارجية تحت تأثير ماكنة إعلام الغرب الأمريكي مباشرة، وهي من تطلق على روسيا مصطلحات ( الأحتلال، والغزو، والإبادة ) ليس في أوكرانيا فقط، وإنما في سوريا سابقًا أيضًا.

وعامة الناس في بلدي تنقسم بين مؤيد وغير متفهم لروسيا، وشعبية الرئيس بوتين حاضرة في المجتمع الأردني بإعتباره زعيمًا عالميًا قل نظيره، وشخصيًا ألمس ذلك مباشرة من خلال إحتكاكي بناسنا وأهلنا، ومع من تخرجوا من روسيا وأعدادهم كبيرة تجاوزت إلى جانب من تخرجوا من الإتحاد السوفيتي أكثر من 20 الفا، وحوالي الـ- 25 الفا ، ويطلقون عليه لقبًا شعبيًا " أبو علي "، وهذا لا يعني لديهم إزدواجية الولاء بقدر ما هو نصيب من الشعبية، وإيمان بالقوة، والحكمة، وبصوت العدالة والحق، والمعارضة لسياسة القطب الواحد الهادف للسيطرة على أركان العالم، وفي زمن سيادة " نعم "، ولا مخرج من غير تحقيق عدالة الأقطاب المتعددة التي تقودها روسيا علنًا وبجرأة، وعلاقات الأردن بالعالم دولية شاملة ومتوازنة، وهي بترولنا الحقيقي .

وفي الملف السوري ( 20112022) واجهت روسيا الإتحادية موجة ظالمة من الإشاعات السلبية لدرجة إتهامها بالتطاول وإلحاق الأذى بالشعب السوري الشقيق، وقتل ناسه وأطفاله بالبراميل البراشوتية جوا، وبطبيعة الحال الناس في منطقتنا العربية والشرق أوسطية خلطوا ولا يزالون يخلطون بين الحرب السورية على أكتاف الربيع العربي، وبين الحرب على الإرهاب وسطها، وبين أخطاء الحرب، وما حققه الروس ويسجل لهم في صفحتهم البيضاء في المقابل هو مطاردتهم لصنوف الإرهاب القادمة إلى سوريا من 80 دولة، وأكثر من زيارة للرئيس بوتين لسوريا في زمن الحرب ،وللرئيس بشار الأسد لروسيا كذلك، والنجاح في تفكيك وسحب ترسانة السلاح الكيميائي للجيش العربي السوري عبر مفاوضات ( جنيف ) عام 2013 وتسليمها لأمريكا عبر البحر المتوسط، والتعاون مع أمريكا والأردن وتركيا في مجال فتح مناطق لخفض التصعيد جنوبًا وشمالاً، وما لم تزج روسيا ذاتها به هو القصف المستمر لسوريا من قبل ( إسرائيل) بهدف ملاحقة حراك إيران، وحزب الله، والمليشيات الإيرانية، المهددة لأمن ( إسرائيل ) حسب إعتقاد ( تل أبيب)، وفي المقابل تعاملت ( إسرائيل ) بإزدواجية مع ملف الحرب الأوكرانية، حاورت ( موسكو )، وساندت غرب أوكرانيا، ومد يهودي ساهم إلى جانب سلاح وأموال الغرب في إطالة الحرب، وللحديث بقية..