المصري يحذر من "ضربات موجعة" وخطر التمدد الصهيوني

استعرض رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، بإسهاب، الأوضاع المحلية والإقليمية، وأبرز التطورات التي أثرت على الأردن خلال الفترة الأخيرة.

وخلال محاضرة بعنوان "أين سنكون مستقبلا"، السبت، ألقى المصري محاضرة تطرّق فيها إلى الوضع الراهن في الأردن وفلسطين، وما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل بناء على الواقع الذي نعيشه اليوم.

وقال المصري في المحاضرة التي دعت إليها نقابة الصحفيين الأردنيين: إن الواقع الذي يعيشه الأردنيون اليوم يبدو أكثر إثارة للخوف من قادمات الأيام ومن مستقبل مجهول لا يجدون معه حتى مجرّد فكرة "المستقبل الآمن أو الناعم"، مشيرا إلى أن الحكومات هذه الأيام تبدو وكأنها "لا تشعر بحاجات الناس أو بالمستقبل، وما يمكن أن يكون عليه حالها في قادمات الأيام، كما أن سياساتها تجعلنا نعتقد أنها حكومات مستنسخة عن بعضها البعض؛ حكومة واحدة ولكن بوجوه وأسماء مختلفة.

وأكد المصري أن الأردن مستهدف كنظام وشعب ووطن من خلال خطط وأطماع مرسومة على الورق من قبل الطامعين وفي مقدمتهم دولة الاحتلال الاسرائيلي ومن يقف خلفها من الداعمين في أمريكا والغرب عموما، وما نراه من دعم معلن وغير معلن من قبل بعض الأشقاء، متسائلا: "خطر التمدد الصهيوني ينتقل إلى الأردن، فماذا نحن فاعلون؟".

وأشار المصري، وهو السياسي العريق، إلى تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وممارسات العدوّ الصهيوني، قائلا إن اسرائيل تحتل اليوم كلّ أراضي فلسطين ما عدا قطاع غزة وفرضت القدس كعاصمة لها، وها هم يعملون بجد على بناء الهيكل الذي هو إشارة بأن إسرائيل التوراتية قد اكتملت.لافتا إلى أن ما يدور هذه الأيام في المسجد الأقصى بذبح القرابين داخل الأقصى هو بمثابة إعلان أن هذا هو موقع الهيكل "وهو الخطوة الاخيرة بيننا".

وأضاف المصري: "إذا تذكرنا أن قانون قومية أو يهودية الدولة قد أصبح ضمن الدستور أو النظام الأساسي للدولة، وهو القانون الذي يعلن ان فلسطين لليهود وحدهم وان سكانها يجب ان يكونوا يهوداً . وهذا في فهمي أن إسرائيل ترفض إعطاء الفلسطينيين لا دولة واحدة ولا حل الدولتين ولا حكماُ محلياً ولا كونفدرالية ، لا شيء لنا وكلها لهم".

وانتقد المصري عقد الحكومات اتفاقيات مع الاحتلال الاسرائيلي رغم النتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه العلاقات والسياسات، مشيرا إلى "إستمرار تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي يعمل على ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل والتعامل مع السكان الفلسطينين حسب مفهوم قانون يهودية الدولة. بالاضافة إلى كون كلّ الفئات في إسرائيل (الحكومة، الكنيست، الأحزاب، والإعلام) تتحدث علناً عن (الوطن البديل)، ما يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية، وأحد أحلامها بالوصول إلى قلب العرب. ومع ذلك تعقد الحكومة الاتفاقيات معها ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات".

وحذّر المصري من سوداوية المستقبل إذا ما بقي تفكير وعقل الحكومات على ما هو عليه الآن، محذّرا من "ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لها، على نحو تمـــدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوتين الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية".

وقال المصري: "إننا إذا لم نطور نظامنا السياسي، واستفحلت المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع، وتمّ خلق أعداء وهميين سواء بسبب العقيدة أو الهوية والجنسية، والتبدل السلبي في المفهوم العشائري، وتراجع الإصلاح وتمتين العلاقات مع اسرائيل المحتلة الطامعة، وظهر للناس أن ثمة انقسام عميق في المجتمع الأردني، فإننا عندها سنكون وجها لوجه مع أخطر مشكلة تواجهنا في المئوية الثانية".

وتطرّق المصري إلى الوضع الاقتصادي في الأردن، قائلا إن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة رفعت قيمة الدين العام الخارجي، وأضعفت كل قطاعات الاقتصاد، ليصبح مقدار الدين الخارجي (40) مليار دينار، ونقترب بسرعة من اعتبارنا دولة مفلسة. ما يضطر الحكومات لرفد الموازنة العامة بفرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي أدى بالنتيجة لارتفاع نسبة البطالة، والتضخم، وتآكل المداخيل وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، لينعكس ذلك بطبيعة الحال على أداء السوق والسيولة النقدية وحركة المال اليومية، وبالنتيجة زيادة الفقر والفقراء وبنسب عالية لا مثيل لها.

وأشار إلى اعتقاد غالبية الأردنيين بأن الأزمة الإقتصادية التي نعيشها الآن هي خطط تنفذ على الأرض في سياق استهداف الأردن دولة وشعبا للوصول به إلى الاستسلام الناعم لكل المشاريع الهادفة لتأمين التمدد الصهيوني في المنطقة والإقليم، وهو اعتقاد لم يولد من فراغ، مما يحتم على الحكومة التفكير في خلق واقع اقتصادي جديد بأفكار وخطط جديدة بعيدة عن الإعتماد على الضرائب الباهظة لتأمين موازنة الدولة، وبعيدا أيضا عن ربط الأردن بمشاريع استراتيجية كبرى مع إسرائيل على نحو اتفاقيتي الغاز والمياه وهما السلعتان الاستراتيجيتان اللتان ستكونان مستقبلا عنوانا رئيسا في صراعات الشرق الأوسط والإقليم والعالم.

وتساءل المصري: "كيف لبلد كالأردن أن يضحي بعدم استخراج مادة حيوية له هي الغاز، ويوقف بشكل مفاجئ وبسرعة وبدون إبداء أسباب. يقوم بذلك حفاظاً على ربحية إسرائيل من هذا الغاز المستخرج أو المسروق من فلسطين".

وحول الاصلاح السياسي، قال المصري: "إن جهود التحديث ترواح مكانها، وعلى مدى نحو 32 سنة لم ننجح بتكريس النهج والسلوك الديمقراطي الحقيقيين، وظللنا نستمرئ البقاء في خانة "التحول الديمقراطي" أو "الوضع الحالي" وذلك لأسباب عديدة أهمها المماطلة في تنفيذ أي مشروع إصلاحي حقيقي رغم كثرة المشاريع الناجزة والمهمة، والتي أبقتها الحكومات حبرا على ورق، بدءا بالميثاق الوطني مرورا بالأجندة الوطنية ولجنة الحوار الوطني، متمنيا أن لا يكون مصير مخرجات لجنة التحديث الملكية الأخيرة كمصير سابقاتها".

وتابع رئيس مجلس الأعيان الأسبق: "العالم اليوم يتجه لفتح المزيد من الطرق والوسائل لإشراك الشعب في السلطة ورسم السياسات، فيما نحن نسير عكس هذا التيار الأممي المتنامي، بل إن الكثير من الدول الديمقراطية بما فيها دول التحول الديمقراطي أصبحت تفوض سلطاتها للشعب من خلال البرلمان والإنتخابات، فيما نحن نتمسك باضعاف دور مجلس النواب بل والتعديل على صلاحيته الدستورية وهو ما أدى بالنتيجة إلى فقدان الثقة الشعبية ليس بالمؤسسة البرلمانية وحدها وإنما بكل مكونات الدولة والسلطة".

وطرح المصري تساؤلات عديدة حول التعديلات الدستورية الأخيرة والتعديلات التي جرت على القوانين النظامة للحياة السياسية، وما وفرته هذه التعديلات من تحسين في النظام العام؟ ومدى الاهتمام الذي حظيت به التعديلات الدستورية الأخيرة من المواطنين؟ وما هو الأثر الايجابي الذي انعكس او سينعكس على حياتهم؟ وأين ستظهر للمواطنين قوة هذه التعديلات؟ متابعا: "أن مثل هذه التساؤلات لن تجد غير إجابة واحدة صادمة في مجملها، وهي أنها لم تعكس أية حاجة للشعب بقدر انعكاسها على المزيد من تكريس السلطة بيد السلطة نفسها، مما سيبقي البرلمان والتمثيل الشعبي في أضعف حالاته، وبالنتيجة سيؤدي بالمواطنين إلى المزيد من الخوف والقلق وفقدان الثقة، وهنا سنفتقد حتى مجرد القدرة على التفكير بمستقبلنا".

ولفت إلى أن "هذه التعديلات تسير بالبلد إلى وضع يغير النظام الدستوري في الأردن إلى شيء آخر لم يجري الاتفاق عليه من قبل، ولم يناقش بالأسلوب الدستوري الديموقراطي، كما أن التعديلات الدستورية التي جرى اقرارها مؤخرا تسير بالبلد إلى وضع يخالف مسار كل المجتمعات في كل الدول".

وتاليا النصّ الكامل للمحاضرة الهامّة التي ألقاها المصري:

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السيدات والسادة،،،

أسعد الله أوقاتكم ، وأشكر نقابة الصحفيين على تكرمها باستضافتي في هذا المساء ، أشكر النقيب راكان السعايدة ومجلس النقابة والأخ جمال العلوي وأعضاء مجلس إدارة النقابة، وأشكركم لحضوركم الليلـــة لنجري حواراً هادفاً وموضوعنا بعنوان (أين سنكون مستقبلاً). وسنكون بإذن الله صادقين في استعرضنا وحوارنا ونُحكم الضمير.

سادتي ،،،

حين لا يكون ثمة فسحة أمام الأردنيين للتفكير خارج مستقبلهم، فإن واقعهم يبدو أكثر إثارة لخوفهم من قادمات الأيام . وهنا تستوي في أذهانهم كل تخوفاتهم بدءاً من مشاكلهم اليومية ومعاناتهم الحياتية المعيشية، وانتهاءً بتخوفاتهم من مستقبل مجهول لا يجدون معه حتـــى مجرد الإطمئنان لفكرة"المستقبل الآمن"، او " المستقبل الناعم ".

والشعوب بطبيعتها وفقاً لكل مسارات التاريخ الإنساني، تلوذ بالخوف وبالقلق وبالإنطواء حين يصبح همها الأول تأمين طعامها وأمنها ، وهما الحاجتان الأساسيتان لأي مجتمع، ومنهما تتفرع كامل التفاصيل. وتتراجع في ذلك المجتمع ، القيم الإنسانية والقدرة على مشاركة الأمم الأخرى في تقدمها. وتصبح دولة خاملة لا وجود لها فيما يمكن ان تقدمه .

للأسف، يقترب الأردنيين من الوصول إلى هذه الحالة من القلق والخوف والترقـــــب. ومــــن المـــؤكد أن علاقة الشعب بهذه الحالة وتناميها محدودة ، وليست بقدر مسؤولية الحكومات التي تبدو هذا الآوان وكأنها لا تشعر بحاجات الناس أو بالمستقبل ، وما يمكن أن يكون عليه حالها في قادمات الأيام.

وبالنظر للمشهد الحالي ومعطياته فإن النتائج ستكون مخيبة للآمال، وستكشف عن حجم خيبة الأمل الشعبية من الأداء الحكومي الرسمي بأنها غير قادرة على تلبية حاجاته او معنية تماماً بما يعانيه من مشكلات، لن يكون أولها اقتصادي معيشي بحت ،ولن يكون هذا الانتقال المتواصل في معالجة المشكلات، وقصورها الواضح عن التفكير الإيجابي فيما يمكن إحداثه من إنفراجات تنعكس إيجابا على حياة الناس وتفاصيل معاشهم اليومية.

وبعيدا عن التفاصيل ــ وهذا ما أكدت عليه مراراً وتكراراً خلال السنوات القليلة الماضية ــ فإن المجتمع الأردني تعرض للعديد من التغييرات الظاهرة في سلوكياته وعاداته سلبا وايجابا بحكم واقعه الاقتصادي والإجتماعي والسياسي، فيما لا نجد بالمقابل أي تغيير أو تكيف في سياسة الحكومات المتعاقبة التي بدت منذ سنوات مضت وكأنها مجرد حكومات مستنسخة عن بعضها البعض، بمعنى أنها حكومة واحدة ولكن بوجوه وأسماء متعددة.

وقلت ــ وما زلت أقول ــ إن الأردن اليوم مستهدف تماماً كنظام وشعب ووطن، وهو الإستهداف الذي يعبر عن نفسه بخطط وأطماع مرسومة على الورق والخرائط من قبل الطامعين الذين ينتظرون الوقت المناسب وفي مقدمتهم بالطبع دولة الإحتلال الاسرائيلي ومن يقف خلفها من الداعمين في امريكا والغرب، وما نراه من دعم وتشجيع هذه الايام بعضه معلن وبعضه الآخر غير معلن بما فيهم اشقاء .

وأبدا بإستعراض مستقبل حل القضية الفلسطينية وعلاقاتنا وإرتباطها بنا.

أولاً :

لم يعد هناك أدنى شك في نوايا إسرائيل تجاه الأردن وقبلها فلسطين. فقد حققت إسرائيل لغاية الآن ما خططت له، وهي اليوم تحتل كل أراضي فلسطين ( ما عدا قطاع غزة وفرضت القدس كعاصمة لها وها هم يعملون بجد على بناء الهيكل الذي هو إشارة بأن إسرائيل التوراتية قد اكتملت . وما يدور هذه الأيام في المسجد الأقصى بذبح القرابين ( داخل الأقصى ما هو إلا إعلاناً) ان هذا هو موقع الهيكل وهو الخطوة الاخيرة بيننا).

وإذا تذكرنا أن قانون قومية أو يهودية الدولة قد أصبح ضمن الدستور أو النظام الأساسي للدولة، وهو القانون الذي يعلن ان فلسطين لليهود وحدهم وان سكانها يجب ان يكونوا يهوداً . وهذا في فهمي أن إسرائيل ترفض إعطاء الفلسطينيين لا دولة واحدة ولا حل الدولتين ولا حكماُ محلياً ولا كونفدرالية ، لا شيء لنا وكلها لهم.

حتى أقول أن خطر التمدد الصهيوني ينتقل إلى الأردن ، نعم سيادتي سادتي إلى الأردن . فماذا نحن فاعلون؟؟؟

ولننظر بعين فاحصة إلى حالنا وموقعنا في خارطة الإقليم حتى يتبين لنا أين نحن اليوم مما كنا فيه بالأمس وما يمكن أن يكون عليه حالنا مستقبلا..

ثانياً :

أزمات اقتصادية متلاحقة رفعت قيمة الدين العام الخارجي ، وأضعفت كل قطاعات الاقتصاد . ندخل المئوية الثانية وما لبثنا تحمل على كتفيها عبء دين خارجي مقدا ه 40 مليار دينار ونقترب بسرعة من اعتبارنا دولة مفلسة. مما يضطر الحكومــات لرفد الموازنة العامة للدولة بفرض المزيد من الضرائب على المواطنين مما أدى بالنتيجة الى ارتفاع نسبة البطالة، والتضخم، وتآكل المداخيل وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، لينعكس ذلك بطبيعة الحال على أداء السوق والسيولة النقدية وحركة المال اليومية، وبالنتيجة زيادة الفقر والفقراء وبنسب عالية لا مثيل لها.

ثالثاً :

في جهود التحديث ترواح مكانها سواء في قفزات صغيرة وبادعاءات أكبــر بكثير مـــن الواقـــع لا تعطــــي الصورة الحقيقية للإنجاز، ما أدى إلى فقدان الثقة بين الحكومات والمجتمع وجعلها غير مستقرة. وعلى مدى نحو 32 سنة لم ننجح خلالها في تكريس النهج والسلوك الديمقراطي الحقيقيين، وظللنا نستمــريء البقاء في خانة "دول التحول الديمقراطـــي أو "الوضع الحالي" وذلك لأسباب عديدة أهمها المماطلة في تنفيذ أي مشروع إصلاحي حقيقي بالرغم من كثرة المشاريع الناجزة والمهمة، فقد أبقتها الحكومات حبرا على ورق، بدءا بالميثاق الوطني مرورا بالأجندة الوطنية ولجنة الحوار الوطني، متمنيا أن لا يكون مصير مخرجات لجنة التحديث الملكية الأخيرة كمصير سابقاتها.

وتقع هذه الأهمية بسبب إستمرار تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي يعمل على ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل والتعامل مع السكان الفلسطينين حسب مفهوم قانون يهودية الدولة. وكل الفئات في إسرائيل (الحكومة، الكنيست، الأحزاب، والاعلام) تتحدث علناً عن (الوطن البديل) ، وهذا أيضاً يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية أحد أحلامها بالوصول إلى قلب العرب. ومع ذلك تعقد الحكومة الاتفاقيات معها ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات.

والسؤال الذي يتوجب طرحه اليوم هو أين سنكون في السنوات القليلة المقبلة؟ بعد أن عرفنا أين كنا في المئوية الأولى من عمر وطننا ودولتنا؟.

في ظل المعطيات الحالية فإن الإجابة على هذا السؤال ستكون سوداوية تفتقد للتفاؤل، ولا يتوفر لها شروط النهوض، وإذا بقي تفكير وعقل الحكومات على ما هو عليه الآن ، فإن دورنا سيتراجع بوتيرة سريعة، وقد نجد انفسنا وقد تلقينا ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لهــــــا، على نحــــو تمـــدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوتين الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية وسيغير من دورنا وواقعنا.

وبالتالي فاذا لم نطور نظامنا السياسي، واستفحلت المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع الأردني، وتم خلق أعداء وهميين سواء بسبب العقيدة او الهوية والجنسية، والتبدل السلبي في المفهوم العشائري، وتراجع الإصلاح وتمتين العلاقات مع اسرائيل المحتلة الطامعة، وظهر للناس أن ثمة انقسام عميق في المجتمع الأردني، فإننا عندها سنكون وجها لوجه مع أخطر مشكلة تواجهنا في المئوية الثانية.

ادعى مسؤولين إسرائيلين واردنيين عند توقيع اتفاقية وادي عربة ان الكثير من الأموال التي كانت تنفق على المجهود الحربي والعسكري سوف يتم توفيرها وتحويلها لمشاريع منتجة. وهناك من قال أننا دفنا الوطن البديل إلى الأبد. ولكن انظروا أين نحن اليوم والفرق بين الأمس واليوم.

رابعاً:

إن التغييرات الجذرية التي أخذت مكانها في الاقليم والعالم مرت من فوق رؤوسنا ولم تلتفت إلينا. صحيح أننا ننعم بعلاقات خاصة مع دول الغرب ونتلقى دعمهم، لكن هذا الدعم له صفة السطحية وليس دعما استراتيجيا، وكثير من دول الإقليم تتمتع الآن بنسب تنمية عالية مثل دول الخليج ومصر والمغرب ، ولا يزال هناك احتمال كبير لكل من ايران وتركيا والجزائر ليكون لها أدوار جديدة في المنطقة والإقليم ، إلا نحن. فقد حصلنا على مكاسب محدودة بالرغم من الخدمات الكثيرة التي نقدمها.

اليوم، يعتقد غالبية الأردنيين ان الأزمة الإقتصادية التي نعيشها الان هي خطط تنفذ على الأرض في سياق استهداف الأردن دولة وشعبا للوصول به الى الاستسلام الناعم لكل المشاريع الهادفة لتأمين التمدد الصهيوني في المنطقة والإقليم، وهو اعتقاد لا أظنه ولد من فراغ، مما يحتم على الحكومة التفكير في خلق واقع اقتصادي جديد بأفكار وخطط جديدة بعيدة عن الإعتماد على الضرائب الباهظة لتامين موازنة الدولة، وبعيدا أيضا عن ربط الأردن بمشاريع استراتيجية كبرى مع إسرائيل على نحو اتفاقيتي الغاز والمياه وهما السلعتان الاستراتيجيتان اللتان ستكونان مستقبلا عنوانا رئيسا في صراعات الشرق الأوسط والإقليم والعالم.

إن تخوفات الأردنيين على مستقبلهم مشروعة تماما في ظل الجمود الموروث في تفكير الحكومات ورسم السياسات وهو الجمود الذي لم يعد له أي مبرر في مجتمعنا الذي بدأ يتغير فعلا ويتكيف على الأرض فيما لا تزال الحكومات بعيدة تماما عن مواكبة هذا التكيف وهذا التغيير.

خامساً :

وحتى أكون أكثر وضوحا فإن العالم اليوم يتجه لفتح المزيد من الطرق والوسائل لإشراك الشعب في السلطة ورسم السياسات، فيما نحن نسير عكس هذا التيار الأممي المتنامي، بل إن الكثير من الدول الديمقراطية بما فيها دول التحول الديمقراطي أصبحت تفوض سلطاتها للشعب من خلال البرلمان والإنتخابات، فيما نحن نتمسك باضعاف دور مجلس النواب بل والتعديل على صلاحيته الدستورية وهو ما أدى بالنتيجة إلى فقدان الثقة الشعبية ليس بالمؤسسة البرلمانية وحدها وإنما بكل مكونات الدولة والسلطة.

ودعوني أتساءل : كيف لبلد كالأردن أن يضحي بعدم استخراج مادة حيوية له هي الغاز ويوقف بشكل مفاجىء وبسرعة وبدون إبداء أسباب. يقوم بذلك حفاظاً على ربحية إسرائيل من هذا الغاز المستخرج أو المسروق من فلسطين .

ولنسأل عن ما وفرته هذه التعديلات من تحسين في النظام العام وضع نظام قيود بحكم يقوي النظام البرلماني ويصبح أسساً برلمانية إصلاحية أفضل مما كان موجوداً ومدى الاهتمام الذي حظيت به التعديلات الدستورية الأخيرة من المواطنين؟ وما هو الأثر الايجابي الذي انعكس او سينعكس على حياتهم؟ وأين ستظهر للمواطنين قوة هذه التعديلات؟ إن مثل هذه التساؤلات لن تجد غير إجابة واحدة صادمة في مجملها وهي أنها لم تعكس أية حاجة للشعب بقدر انعكاسها على المزيد من تكريس السلطة بيد السلطة نفسها، مما سيبقي البرلمان والتمثيل الشعبي في أضعف حالاته، وبالنتيجة سيؤدي بالمواطنين إلى المزيد من الخوف والقلق وفقدان الثقة ، وهنا سنفتقد حتى مجرد القدرة على التفكير بمستقبلنا..

وحتى أكون أكثر وضوحاً ، فان هذا الشعب يتوق إلى أن يشارك في صناعة مستقبله وأن يتمتع بقدر من حرية التعبير وأن يكون حراً تماماً في اختيار ممثليه في مجلس النواب عبر انتخابات نزيهة وشفافة.

إن هذا الكم الهائل من المواطنين ذوي الشهادات والخبرات والكفاءات لديهم الرغبة الجامحة لكي يشاركوا في صناعة مستقبلهم والقضاء على هذا التخلف الذي تعاني منه الإدارة العامة التي نتج عنها مثلا ظاهرة هجرة الكفاءات الأردنية .

ليس هو الحل، التعديلات هذه تسير بالبلد إلى وضع يغير النظام الدستوري في الأردن إلى شيىء آخر لم يجري الاتفاق عليه من قبل ولم يناقش بالأسلوب الدستوري الديموقراطي ويسير بالبلد إلى وضع تم إقراره مؤخراً من تعديلات دستورية تسير بالبلد إلى وضع يخالف مسار كل المجتمعات في كل الدول.

يجب ان توضع كل هذه القضايا في مسارها الصحيح حتى نستطيع ان نحمي الوطن ، فالخناق يضغط علينا.

أما أين سنكون مستقبلاً ؟ فهو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه . الجميع ، وليس بإمكاننا نفي صعوبة ما يمكن ان تتصوره عن أنفسنا في المستقبل . ودورنا نحن يمر بكل حالات الضعف والفرقة التي نعيشها ، لكننا نرى التكررة على الأقل لتصور كيف يمكننا العبور للمستقبل .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .