شيرين أبو عاقلة.. "فارسة الإعلام" وصوت الحق الذي لا يموت

رسم: ناصر الجعفري

 

كتابة: محمد الرنتيسي

 

تمتزج المشاعر كما لم تمتزج من قبل، وأنت في حضرة الكتابة عن استشهاد شيرين أبو عاقلة المولودة عام 1971، والتي اغتال الاحتلال الإسرائيلي جسدا انتقاما من عجزه عن اغتيال صوتها ورسالتها بما فيهما من "حق"، والحق لا يموت وإن مات كل شيء.

 

هي همجية وبلطجة محتل لا أكثر ولا أقل، ذلك أن أبو عاقلة هي ظاهرة أكثر من كونها شخص، ظاهرة شعب لا يهادن ولا يستسلم سواء كان إعلاميا أو غير ذلك، فقد حملت شيرين إلى جانب زملائها في المهنة رسالة مقدسة لا يخترقها الرصاص ولا عبث العابثين.

 

أجزم أن شيرين التي ترعرعت في مدينة القدس لأسرة مسيحية تنحدر من مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، لم تستغرب مشهد استشهادها، فهي التي طاردت على مدى عقود مضت مشاهد الموت التي يبتكرها الاحتلال، وكانت عرضة له غير مرة حتى نال منها اليوم.

 

لكنه ليس موتا عاديا، لقد أصاب قلوب مئات الملايين حول العالم، ممن سيفتقدون شيرين وإطلالتها الدائمة عبر فضائية الجزيرة، وتميزها في طرح "السردية الفلسطينية" وملاحقة جرائم وانتهاكات الاحتلال من صغيرها إلى كبيرها بنشاط وأسلوب عز نظيره، تماما مثلما تلاحق بطولات أبناء شعبها وأشكال صمودهم لتنقلها بأبهى صورة وأنقى صوت. 

كأنها بموتها تجري تعديلا حتميا على المقولة الرائجة بأن "الصحافة مهنة المتاعب" لتصبح "مهنة الموت"، وهذا أمر منطقي طالما أن على الأرض قوى لا تعرف إلا لغة البطش والظلم والقتل، وطالما أيضا أن هناك مثل شيرين، من لا يضعف ولا يرضخ ولا يتوب عن الحق.

 

ويذكر معاصرو أبو عاقلة عندما كانت طالبة في قسم الصحافة والإعلام بجامعة اليرموك الأردنية الذي تخرجت منه بتفوق عام 1991، أنها كانت "شعلة نشاط وذكاء"، وكانت تتميز بسعة إدراكها وفهما للأحداث سواء محلية فلسطينية أو عربية أو دولية، وكانت ملفتة دائما لأساتذتها.

 

بعد "اليرموك"، عادت شيرين إلى فلسطين وعملت في مهام إعلامية مع عدة جهات، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو.

 

وفي عام 1997 انضمت إلى طاقم قناة الجزيرة الفضائية في بداية تأسيسه بفلسطين، وظلت فيه حتى قضت شهيدة للرسالة الإعلامية المناصرة لوطنها وقضيتها، وهو ما جعل كثيرا من الصحفيين يدينون "لأستاذتهم" بالتعلم منها والاستفادة من خبرتها.

 

رحيل موجع بلا شك لكنه قدر الله وإرادته التي نسلم بها تسليما، كما نسلم بأن فلسطين هي حق لشيرين وجميع شهداء الأرض والقضية وأحرار العالم، وإن كانت روحها قد صعدت إلى السماء، فإن إرثها ورسالتها حاضرين في الأرض حضور الشمس والقمر.