ماذا ربحت السعودية فعلًا من التقارب مع إيران؟
قال الباحث في مركز الإمارات للسياسات، الدكتور محمد الزغول،
إن الجولة الثالثة من اجتماعات التنسيق بين المملكة العربية السعودية وإيران، بمشاركة الصين، أعادت تثبيت حقيقة جوهرية مفادها أن سقف التوقعات المعلّق على التوافق الذي أُبرم بين الجانبين بوساطة صينية عام 2023 كان منذ البداية سقفًا منخفضًا ومحسوبًا بدقة، ولا يصلح لأن يُبنى عليه رهان استراتيجي لتحقيق اختراقات اقتصادية أو سياسية كبرى في المدى المنظور، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على مستوى إعادة تشكيل توازنات الإقليم.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أن المخرجات المحدودة لهذا التوافق، سياسيًا واقتصاديًا، لا تمثل مصدر إزعاج للرياض، فهي تتقاطع مع مقاربتها الواقعية التي لم تنطلق أصلًا من توقع مكاسب واسعة أو تنازلات متبادلة كبيرة، على خلاف الرؤية الإيرانية التي بدت – وفق المؤشرات – أكثر اندفاعًا في تقدير حجم العوائد الممكنة من هذا الانفتاح، سواء على صعيد تخفيف الضغوط أو تحسين شروط الحركة الإقليمية والدولية.
وبيّن الزغول أن أحد أهم المكاسب التي حققتها المملكة من هذا التوافق يتمثل في خلق حالة مدروسة من “النأي بالنفس” عن دوائر الصراع العسكري التي انخرطت فيها إيران وحلفاؤها خلال العامين الماضيين، وهو ما أتاح للرياض هامش مناورة أوسع، ومكّنها من عبور مرحلة شديدة الحساسية من التصعيد الإقليمي بأعلى قدر ممكن من السلامة السياسية والأمنية، في ظل المواجهة المحتدمة بين محور إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.
ونوّه الزغول إلى أن البعد الاستراتيجي لهذا التوافق لا يقل أهمية عن أبعاده التكتيكية، إذ أسهم عمليًا في إخراج المملكة من موقع "العدو الأول" في المخيال السياسي والأيديولوجي الإيراني تجاه المنطقة، بعد أكثر من عقدين من علاقات اتسمت بالتنافس الحاد والصراع المفتوح، واتخذت في محطات عديدة طابعًا دمويًا على مسارح إقليمية متعددة، ما يعكس تحولًا هادئًا لكنه عميق في مقاربة الصراع وإدارة الخصومة، دون الادعاء بطيّ صفحتها أو إنهائها بالكامل.