حياصات يكتب: العشب الذي أنبت كرامة


د. علي النحلة حياصات
في بطولة كأس العرب الحالية، لم يكن المنتخب الأردني يواجه خصومه في الملعب فقط، بل كان يواجه منظومة كاملة من الشك والإحباط وقلة الإمكانيات. ومع ذلك، أثبت اللاعبون أن الروح القتالية والإيمان بالهدف يمكن أن يصنعا ما تعجز عنه الميزانيات الضخمة. لقد لعبوا كما تُبنى الأوطان، بإيمانٍ عميقٍ، وانضباطٍ حقيقي، وإحساسٍ نادر بالمسؤولية تجاه القميص الذي يرتدونه والعلم الذي يرفعونه.
ما فعله المنتخب لم يكن مجرد انتصار رياضي، بل كشفٌ مؤلم لمفارقة وطنية، فحين تُدار الأمور بعدالة وكفاءة، تزدهر الروح الجماعية حتى في ظل قلة المال، وحين تغيب الإدارة الرشيدة، تخبو الطاقات حتى في ظل الموارد الواسعة . المنتخب الفقير بالإمكانيات بدا أغنى من الحكومة بالإرادة، لأن في غرفة الملابس كانت العدالة حاضرة، والمحاباة غائبة، والجهد هو المعيار الوحيد للفرص.
لقد أعاد المنتخب إلى الأردنيين إحساسهم بالانتماء، لأنهم رأوا في أداء اللاعبين نسخة صادقة مما يريدون أن يكون عليه وطنهم، بلدٌ يكافئ من يعمل، ويؤمن بمن يستحق.
هذه الروح هي ما نفتقده في مؤسساتنا العامة، التي أرهقها التدوير والمحاصصة وغياب الرؤية. ولو وُجدت في إدارة الدولة روح المدرب الذي يوظّف طاقات لاعبيه لا أسمائهم، لكانت الهوية الأردنية اليوم أكثر قوة وتماسكًا، وأقل ارتهانًا للهويات الفرعية التي تُستحضر عند كل أزمة.
المنتخب قدّم درسّا بسيطّا وعميقّا في أن واحد، أن الأمم لا تنهض بما تملك، بل بمن يُحسن إدارة ما تملك. وأن الروح الوطنية ليست شعارًا سياسيًا، بل ممارسة يومية تبدأ من الإيمان بالعدل وتنتهي بالإنجاز.
لقد انتصر المنتخب على خصومه لأنّه آمن بأن قميص الوطن وعلمه أثمن من كل مكافأة. وربما آن الأوان أن تتعلّم الحكومة من لاعبيها كيف تُدار معركة البناء، بروحٍ جماعية، وعدالةٍ حقيقية، وإرادةٍ لا تكلّ. فالعشب الذي أنبت كرامة في الميدان، قادر أن يُنبت نهضة في الوطن، إن أحسنّا السقاية والإدارة.