الطراونه يكتب: متى تصبح الاستقالة واجبًا أخلاقيًا

 

الدكتور إخليف الطراونه

أكتب هذا المقال بدافع المسؤولية المهنية والأخلاقية، لا من باب الاتهام أو التسييس، بل احترامًا لأرواح مواطنين فقدوا حياتهم داخل بيوتهم بسبب مدفأة كان يُفترض أن تمنح الدفء لا الموت. قضية مدفأة الشموس، كما أكّدتها تصريحات مديرية الأمن العام وتناقلتها وسائل الإعلام، تجاوزت كونها حادثة فردية، وأصبحت سؤالًا أخلاقيًا حول معنى المسؤولية في المنصب العام.

في أخلاقيات الوظيفة العامة، لا تُقاس المسؤولية فقط بحدود القانون، بل بحدود الواجب الأخلاقي. فالقانون يسأل: من أخطأ؟ أما الأخلاق فتسأل: من كان مسؤولًا؟ وعندما تتكرر الوفيات بسبب أداة واحدة متداولة رسميًا في السوق، فإن الخلل لا يكون فرديًا، بل تنظيميًا ورقابيًا.

السماح بتداول أداة خطرة، ثم التحذير منها بعد وقوع الضحايا، يمثل فشلًا في منطق الوقاية، وهو جوهر أي سياسة عامة مسؤولة. في مثل هذه الحالات، لا يجوز اختزال الخطأ في المستخدم أو في الحلقة الأضعف، لأن المسؤولية الأخلاقية تبدأ من السياسات والرقابة واتخاذ القرار في الوقت المناسب.

الاستقالة هنا لا تعني الاعتراف بجريمة، ولا الهروب من المحاسبة، بل تعني تحمّل المسؤولية المعنوية، واحترام كرامة الضحايا، وإعادة بناء الثقة بين المجتمع ومؤسساته. فالمنصب العام ليس امتيازًا، بل أمانة، وأحيانًا يكون التخلي عنه فعل شجاعة أخلاقية لا ضعفًا إداريًا.

الأخطر من وقوع الفاجعة هو التعامل معها بوصفها قدرًا، أو الاكتفاء بالبيانات والتحذيرات بعد فوات الأوان. السؤال الحقيقي هو: هل تغيّرت السياسات؟ وهل أصبحت سلامة الإنسان أولوية فعلية لا شعارًا موسميًا؟

حين يموت المواطن بسبب خلل تنظيمي، فإن العدالة الأخلاقية لا تكتمل بمحاسبة الأدنى فقط، بل تبدأ من تحمّل الأعلى لمسؤوليته. ففي الدول التي تحترم أخلاقيات الوظيفة العامة، تُحاسب الدولة نفسها قبل أن تحاسب مواطنيها.