الرواشدة يكتب: هل سيكون 2026 عام تسديد الفواتير ؟

 

‏حسين الرواشدة

‏قبل نحو عامين( 2‏/12‏/2023 ) تساءلت في هذه الزاوية : هل سيدفع الأردن فاتورة مواقفه وخطابة السياسي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة ؟ قلت : نعم سيدفع ،خاصة على جبهتي واشنطن وتل أبيب، لا أحتاج للتذكير بالأسباب فهي معروفة تماماً، الأردن اختار التصعيد لأعلى سقف مقارنة مع غيره من البلدان العربية والإسلامية، وراء ذلك ،بالطبع ، مبررات مشروعة ، التقديرات أو الافتراضات الأردنية استندت ،آنذاك ،إلى حجم التهديد المباشر للحرب على المصالح العليا للدولة ، لكن ربما كان الخطاب العام الذي عبّر عن هذه المخاوف أعلى من المألوف.

‏الآن ،بعد عامين على الحرب، ومع بدء انكشاف جزء من صفقات إدارة غزة، وترتيبات الصفقة الكبرى في المنطقة ، يمكن أن نقرأ بوضوح ما ترتب علينا من ضغوطات واستحقاقات، الفاتورة على جبهة تل أبيب تتوزع بنودها على محاولات ابتزاز بقطع المياه والغاز ، ضمّ الضفة الفلسطينية ،إنهاء السلطة، إقامة جدار الفصل في مناطق الغور ، العبث بملف الأقصى والمقدسات ،اللعب بورقه التهجير الناعم ، هذا يعني أن إسرائيل وضعت الأردن في المواجهة، وتريد أن تفرض أجنداتها، يعني أيضا أن الأردن كان يتحسب لهذه المحاولات ، ويستعد لها أيضا.

صحيح ، العلاقة بين الأردن وإسرائيل ما تزال قائمة وفق المعاهدة، تعرضت لتقلبات عديدة ووضعت، أحياناً ، في "الثلاجة"، لكنها أثناء فترة حكم نتنياهو -تحديداً- اتسمت بالتوتر وعدم الثقة ، الحرب على غزة هشّمت العلاقة الرسمية وزادت فجوة انعدام الثقة والعداء بين الطرفين ، لكن الآن تغيرت الصورة في المنطقة تماماً، القاهرة على وشك ترتيبات سياسية واقتصادية مع تل أبيب ، قطر دخلت على الخط ،دول عربية وإسلامية كبرى ،أيضاً، بدأت بإقامة جسور علاقات مع إسرائيل، والحبل على الجرار.

‏لا يستطيع الأردن أن ينفرد بالمواجهة، أو أن يدفع فاتورة الحرب وما بعدها لوحده ، حركة السياسة الأردنية يفترض أن تغادر مربع زلزال غزة نحو إستدارة عنوانها إطفاء الحرائق واختراق الجبهات السياسية ، صحيح ، ندافع عن بلدنا ومصالحنا ولا نخاف او نتنازل ، لكن لا يجوز ان نغرق في أزمات الإقليم التي لا تنتهي ، ولا مصلحة لنا باستعداء أي طرف، أو التصعيد ضد أي دولة لحساب أي طرف آخر.

‏على جبهة واشنطن ،أيضاً، تبدو العلاقة ، أردنياً، محل تساؤل وربما قلق ،صحيح أنها ما تزال في إطار التحالف الاستراتيجي ،ولم تتأثر على صعيد التعاون الاقتصادي والأمني، لكن بالإستناد إلى فترة ترامب الأولى التي توجها بصفقه القرن ، وانتهاء بما يفكر به في فترته الثانية لإعادة ترتيب المنطقة وفق مشروع "شرق أوسط جديد"، أعتقد أن لدى الأردن هواجس من القادم ، وأن مواقف واشنطن تشكل مصدر قلق ، وإن كان أقل من مما حدث في عام 1991.

‏بقي لدي نقطتان يجب أن نضعهما في عين الاعتبار والاهتمام ، الأولى: ما بعد حرب غزة سقطت فكرة (الاستثناء ) وفكرة (الحُظوة)، هذا مفهوم في سياق مشروع التوحش الذي يستهدف المنطقة ،ويحاول إعادة ترسيم حدودها وخرائطها ومناطق النفوذ و الأدوار فيها ، لا يوجد أي حُظوة لأي دولة ،ولا استثناء مما يتم إعداده وتجهيزه، النقطة الثانية : ما حدث بعد حرب غزة كان بمثابة انفجار تاريخي للمنطقة كلها، وهو نسخة ثانية (وإن اختلفت التفاصيل ) من الخريف العربي ، طوق النجاة لأي دولة هو الاعتصام بالداخل ، وذلك من خلال استدارات حقيقية ، مقنعة وفاعلة، تجعل جبهة المجتمع والدولة معاً أكثر قوة وصلابة.