الدرعاوي يكتب: التعاون المصرفي الأردني السوري بعد قيصر

 

سلامة الدرعاوي


إلغاء قانون قيصر يمثل بداية نقطة تحول مهمة في المسار الاقتصادي والمالي لسورية، باعتباره المدخل الفعلي لعودة دمشق إلى النظام المالي الدولي، وما يستتبعه ذلك من فرص تعاون مصرفي إقليمي، في مقدمتها التعاون الأردني– السوري.
 

فمع هذه الخطوة، باتت سورية قادرة مجددا على التواصل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة والمؤسسات المالية العالمية، وهو تطور يغير جذريا قواعد العمل المصرفي، ويعيد رسم خريطة الشراكات المحتملة في المنطقة، والأهم من ذلك أنه يمهد لدمشق أن تندمج مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال والإرهاب التي تعتبر حجر الزاوية لعودة البنوك للمشهد الاقتصادي في البلاد.
إلغاء قانون قيصر فتح الباب أمام جذب الاستثمارات باعتباره أحد أبرز التداعيات المباشرة، إذ باتت سورية قادرة على المشاركة في فعاليات اقتصادية محلية وإقليمية، واستقبال مستثمرين للترويج لفرص استثمارية جديدة، وهو ما ينعكس تلقائيا على الطلب على الخدمات المصرفية والتمويلية.
ومع عودة الاستثمارات، تتسع فرص العمل في قطاعات تشمل إعادة الإعمار والطاقة والنفط والسياحة والصناعة والزراعة، وهي قطاعات تحتاج إلى أدوات تمويل معقدة وخبرات مصرفية يمكن للبنوك الأردنية أن تلعب فيها دورا محوريا.
هذا التطور يكتسب أهمية خاصة للأردن، بحكم القرب الجغرافي والتشابك الاقتصادي التاريخي، وبحكم الجاهزية النسبية للقطاع المصرفي الأردني للدخول في مرحلة جديدة من العمل الإقليمي.
وفي هذا السياق، تكتسب تصريحات حاكم مصرف سورية المركزي في القمة المصرفية الأردنية–السورية التي انعقدت في جمعية البنوك موخرا دلالة مضاعفة، إذ جاءت منسجمة مع لحظة الانفتاح الجديدة، وقدمت رؤية واضحة لملامح المرحلة المالية المقبلة في دمشق، موجهة بشكل مباشر إلى البنوك الأردنية التي تقف اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة تقييم دورها في السوق السورية.
من زاوية التعاون المصرفي الأردني–السوري، يمكن قراءة حديث حاكم مصرف سورية، كمؤشرات عملية على تغير البيئة المالية في دمشق، والحديث عن قدرة القطاع المصرفي والخاص السوريين على مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي يعني، بالنسبة للأردن، وجود سوق قادرة على استيعاب التمويل وتحويله إلى نشاط إنتاجي، وهو شرط أساسي لأي انخراط مصرفي جاد.
عودة سورية إلى محيطها العربي تضع الأردن تلقائيا في موقع الشريك الطبيعي، لأن أي انفتاح مالي سوري يحتاج إلى بوابة مصرفية إقليمية مستقرة، وهو دور يستطيع القطاع المصرفي الأردني القيام به، كما أن الانتقال من التفكير بمشاريع منفردة إلى منظومة تمويل واسعة يعكس حاجة دمشق إلى شراكات مؤسسية طويلة الأجل، لا إلى تمويل ظرفي، ما يفتح مجالا أمام البنوك الأردنية لأدوار أعمق من الإقراض التقليدي.
رسائل الانضباط النقدي، وتحسن سعر الصرف، وعودة قنوات 'سويفت" كلها إشارات موجهة للمصارف تحديدا، مفادها أن المخاطر تتراجع وأن قواعد العمل باتت أوضح.
الخلاصة أن سورية تعرض فرصة مصرفية حقيقية، والسؤال لم يعد عن جاهزية السوق السورية، لكن عن سرعة قرار المصارف الأردنية في دخول هذه المرحلة قبل أن يسبقها آخرون.