كلام صريح حول الاقتصاد الأردني

 

قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إنّ إحدى أكثر الإشكاليات التي تعيق تطوّر الاقتصاد الأردني، شأنه شأن غالبية اقتصاديات الدول النامية والعربية، تتمثّل في ضعف الإنتاجية، باعتبارها المعيار الذي يُقاس من خلاله مستوى القدرة على زيادة معدلات الإنتاج ضمن معايير جودة مقبولة، وفي إطار زمني محدد، وبظروف عمل مناسبة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ بيانات الإنتاجية ما تزال تُظهر أنّ مستوياتها في الأردن أقل من المتوسطات العالمية، بل ومتدنية في بعض الحالات.

وبيّن عايش أنّ انخفاض الإنتاجية لا ينطوي على خسارة مباشرة فقط، فهو يتحوّل إلى ما يشبه الفاقد الاقتصادي الذي يحرم الاقتصاد الوطني من فرص نمو كان يمكن تحقيقها، لولا تراجع كفاءة العامل وقدرته الإنتاجية، مشيرًا إلى أنّ هذا الفاقد ينعكس تلقائيًا على معدلات النمو الاقتصادي، وفرص العمل، ومستويات الدخل، وقيمة الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُفسِّر جانبًا من تدهور مستوى المعيشة في المرحلة الحالية.

وذكر أنّ الدراسة التي استند إليها التحليل بيّنت أن الوظائف الأكثر ازدحامًا في الأردن تتمركز في القطاعات الأقل إنتاجية، الأمر الذي يقوّض قدرة سوق العمل على الإسهام الفعّال في الناتج المحلي الإجمالي، متابعًا أنّ إنتاجية العامل تُقاس عبر قسمة الناتج المحلي الإجمالي على مجموع ساعات العمل الكلية، سواء على المستوى العام أو على مستوى القطاعات.
ولفت إلى أنّ مؤشرات الإنتاجية عالميًا سجّلت خلال العقدين الماضيين نموًا سنويًا مركّبًا بلغ نحو 2.1%، في حين سجّلت الأردن نمواً سالبًا، ما يعكس تراكمًا في التراجع وانعكاسات اقتصادية واضحة، وفي المقابل، سجّلت الأردن في عام 2021 أعلى نمو إنتاجية، متزامنًا مع ارتفاع النمو الاقتصادي إلى نحو 3.2%، ما يؤكّد – بحسب قوله – أن ارتفاع الإنتاجية يرتبط مباشرة بتحسّن الأداء الاقتصادي.

وأشار عايش أنّ التقرير يُظهر تراجع موقع الأردن على خريطة الإنتاجية عالميًا، وهو تراجع "مقلق"، لأنه أحد المحددات الرئيسة التي يعتمد عليها المستثمرون في تقدير جدوى الاستثمار وكفاءة اليد العاملة، فكلما انخفضت الإنتاجية، قلّت قدرة الاقتصاد على جذب الرساميل والاستثمارات النوعية.

وبيّن أنّ متوسط ساعات العمل في الأردن، والبالغ 48.8  ساعة أسبوعيًا، يعكس إما عمل معظم العاملين ستة أيام أسبوعيًا، أو تجاوز ساعات العمل الفعلية للحدود الرسمية، أو وجود قطاعات تعمل لساعات إضافية غير محتسبة رسميًا.

وقال إنّ بعض القطاعات تعوّض انخفاض الإنتاجية عبر زيادة ساعات العمل، وهو مؤشر على أن طبيعة العمل ما تزال "تقليدية ويدوية"، بعيدة عن التقدم التقني، الأمر الذي يعمّق فجوة الإنتاجية.
ونبّه إلى أنّ قطاعي المناجم والمحاجر والزراعة سجّلا أعلى مستويات إنتاجية للعامل مقارنة بالقطاعات الأخرى، رغم أنهما الأقل تكنولوجيًا والأكثر اعتمادًا على الجهد البدني، معتبرًا أنّ هذا يستدعي دراسة إضافية للبيئة التنظيمية لهذه القطاعات، لأنها لا تنتمي للقطاعات ذات الإنتاجية النوعية أو ذات العمالة عالية المهارة.

وفي المقابل، سجّلت الخدمات الحكومية أدنى مستويات الإنتاجية، حيث تبلغ إنتاجية ساعة العمل نحو 3.6  دينار فقط، مقارنة بـ 46.1  دينار في المناجم و37.8  دينار في الزراعة، مضيفًا أنّ هذا يعكس تضخمًا وظيفيًا واضحًا، إذ يتم توزيع حجم إنتاج محدود على عدد كبير من العاملين يعملون ما يقارب 41  ساعة أسبوعيًا.

ولفت عايش الانتباه إلى أن تضخّم حجم القطاع العام في الأردن يمثّل واحدًا من أكثر الاختلالات التي تثقل الاقتصاد الوطني، موضحًا أن ما يقارب 37.6% من إجمالي القوى العاملة تعمل في هذا القطاع، وهي نسبة تُعدّ مرتفعة على المستويين الإقليمي والعالمي، وأنّ اتساع حجم القطاع العام، مقارنة بحجم سوق العمل الأردني، يضع الأردن ضمن أكبر خمسة قطاعات عامة في العالم من حيث حجم العاملين، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على النفقات الجارية، ويرفع فجوة العجز بين الإيرادات والمصروفات، ويعمّق المديونية وما يرافقها من أعباء فوائد متراكمة.

وأضاف أن تضخم القطاع العام لا يرتبط فقط بتدنّي الإنتاجية، وهي الأدنى بين مختلف القطاعات، وإنما يتجاوز ذلك ليصبح عاملًا رئيسيًا في تفاقم عجز الموازنة وتوسّع المديونية، ما يستدعي، بحسب قوله، دراسة معمقة تتجاوز توصيف المشكلة إلى إعادة هيكلة حقيقية شاملة.

وأشار إلى أن الاعتقاد السائد بأن زيادة ساعات العمل تؤدي تلقائيًا إلى ارتفاع الإنتاجية هو اعتقاد تجاوزه الزمن، مؤكدًا إثبات الدراسات المقارنة بأن طول ساعات العمل لا يرتبط بالضرورة بالإنتاج، وإنما قد يؤدي في كثير من الحالات إلى إنهاك القوى العاملة وانخفاض كفاءتها، ولهذا السبب اتجهت العديد من الشركات والحكومات حول العالم إلى نماذج عمل بديلة، مثل نظام الأسبوع القصير الذي يعتمد أربعة أيام عمل وثلاثة أيام راحة، والذي أثبت فعاليته في رفع الروح المعنوية للعاملين وتحسين مستويات الأداء.

وقال إن استمرار اعتماد مؤشرات قياس إنتاجية تنتمي إلى عصر الصناعة، لا إلى عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، يجعل القطاعات الأردنية أسيرة أنماط تقليدية لا تعكس حقيقة القدرات الممكنة ولا تتناسب مع المتطلبات الحديثة لسوق العمل.

وأضاف أنّ تدني الإنتاجية في القطاع العام تحديدًا، إذ لا تتجاوز 3.6 دينار في الساعة للفرد، يستدعي مراجعة جذرية لعدد العاملين وآليات إدارتهم، معتبرًا أن جزءًا من هذا التضخم يعكس بطالة مقنّعة تُقوّض المخرجات الحقيقية وتعمّق فجوة الكفاءة. ومع ذلك، يرى الخبير أنّ تخفيض ساعات العمل قد يكون أكثر جدوى من استمرار ساعات طويلة غير منتجة، نظرًا لتأثيره في تخفيض الكلف التشغيلية وتعزيز كفاءة الأداء.

وأشار عايش إلى ضرورة إعادة هيكلة القوى العاملة وتوجيه جزءٍ منها نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة، لاسيما الزراعة والمناجم والمحاجر، رغم أن ارتفاع الإنتاجية فيها يعود في كثير من الأحيان إلى العمل الإضافي غير المحتسب، لا إلى كفاءة تشغيلية حقيقية، الأمر الذي يستوجب إعادة تقييم آليات القياس.

وتابع أنّ الحل يتطلب استراتيجية وطنية لرفع المهارات التقنية والتكنولوجية للعاملين، وزيادة مستوى التعقيد الصناعي في القطاعات الإنتاجية، بما يتيح نقل الاقتصاد إلى مستويات أعلى من القيمة المضافة، مضيفًاد أن رؤية التحديث الاقتصادي تلعب دورًا مركزيًا في هذا التحول، من خلال تحديث البنى الصناعية والتكنولوجية، والارتقاء بالعمالة مهاريًا ورقميًا على مدى ثلاث إلى خمس سنوات.