العتوم يكتب: الرسالة التي أربكت طهران: كيف انكشف سرّ اتصال بزشكيان بترامب رغم نفي خامنئي؟

 

د.نبيل العتوم.

بدأت القصة عندما خرج المرشد الإيراني علي خامنئي لينكر تماماً وجود أي رسالة من طهران إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واصفاً الأخبار بأنها «كذب محض». لكن ما إن مضت أيام قليلة حتى بدأت الحقائق تتكشّف من داخل النظام نفسه، لتظهر أن الأمور لم تكن كما أراد خامنئي أن تبدو، وأن رسالة فعلية عبرت بالفعل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى ترامب، مروراً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

النقطة الأولى التي أثارت الشك جاءت من تصريح غير متوقّع وملفت لرئيس منظمة الحج والزيارة في إيران، الذي قال إنه حمل رسالة خطية من بزشكيان إلى الأمير محمد بن سلمان. ورغم محاولة حكومة بزشكيان الإيحاء بأن الرسالة مجرد «شكر على تعاون الحج»، فإن توقيتها كان لافتاً لأنها سبقت مباشرة زيارة الامير محمد بن سلمان لواشنطن، بينما كان الحج قد انتهى منذ أشهر. هذا التناقض فتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة الرسالة وتوقيتها ومضمونها الحقيقي.

ومع تداول الموضوع، خرجت تصريحا أكثر وضوحاً من شخصيات داخل النظام؛ النائب السابق مصطفى كواكبيان أكد أن هناك رسالة ايرانية عبر السعودية وصلت إلى ترامب شخصيا ، وأن ذلك جرى بموافقة خامنئي، ثم جاء التصريح الأهم من البرلماني مجتبى ذو النوري، الذي كشف أن ترامب ردّ فعلاً على الرسالة، ناقلاً ثلاثة شروط لفتح التفاوض: وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل داخل إيران، وتفكيك

محور المقاومة، اضافة الى تقليص مدى الصواريخ الإيرانية الى 300كم . وهي شروط بمجملها تمسّ أساس مشروع النظام وبقائه. كل ما جرى من تطورات وغيرها تدلّ على أن المبادرة بالاتصال جاءت من طهران نفسها وبتوجيه من المرشد خامنئي مباشرة لا من واشنطن.

هذه التسريبات وضعت النظام في موقف حرج، ودفعته إلى التحرك سريعاً لإسكات الأصوات الداخلية ؛ فالسلطة القضائية فتحت ملفاً ضد كواكبيان بتهمة «تشويش الرأي العام»، في محاولة لإغلاق القضية، وإبعاد خامنئي عن أي شبهة تواصل مع الولايات المتحدة. وهنا بدا واضحاً أن الإنكار الذي قدّمه المرشد كان موجهاً أولاً إلى قاعدته المتشددة وحرسه الثوري التي اعتادت سماع خطاب يرفض التفاوض ويهاجم واشنطن ومن يطالب بالتفاوض معها دون استثناء.

تكشف هذه القضية، باختصار، التناقض العميق بين خطاب النظام وممارساته؛ فبينما يظهر خامنئي بصورة الزعيم الذي لا يلين أمام «الاستكبار العالمي »، تكشف التفاصيل أنه مستعد لفتح قنوات خلفية مع واشنطن عندما يشعر بأن الضغوط تهدد استقرار النظام وبقائه. الرسالة التي حاولت الحكومة التقليل من شأنها تحولت إلى دليل على ارتباك سياسي داخلي، وإلى مؤشر على أن طهران تبحث عن أي مخرج ممكن ، حتى لو اضطرت إلى التخلي مؤقتاً عن بعض شعاراتها المتشددة .

في النهاية، لم تعد القضية مجرد رسالة حملها مسؤول إيراني لايثير الشكوك ، بل أصبحت مثالاً واضحاً على الهوة بين ما يقوله النظام للجمهور وما يفعله خلف الأبواب المغلقة، وعلى حجم القلق والرعب الذي يدفعه لتغيير قواعد لعبته السياسية بصمت خاصة مع وجود تحديات داخليه وخارجية قد تعصف بالنظام الايراني برمنه في أية لحظة .