العتوم يكتب: هل تطرق واشنطن باب خامنئي بالإنذار الأخير؟ سيناريو مادورو يقترب من طهران
د.نبيل العتوم
تشير سابقة الإنذار الأميركي الذي وُجه لنيكولاس مادورو إلى شكل جديد من الدبلوماسية القسرية التي يعتمدها دونالد ترامب: مفاوضة الخصم على حافة الانهيار، وتقديم مخرج شخصي ضيق ومهين مقابل تفكيك المنظومة التي يقودها. هذا النموذج الذي ظهر في فنزويلا يفتح الباب أمام سؤال أكبر وأكثر حساسية: هل يمكن للبيت الأبيض أن يكرر الأسلوب ذاته مع المرشد علي خامنئي أو مع قيادات الحرس الثوري الإيراني، في لحظة إقليمية تتداخل فيها احتمالات الضربة الإسرائيلية، والضغوط الاقتصادية القصوى، واحتمالية اغتيال المرشد خامنئي كمقدمة لتفكيك النظام، وتسهيل توجيه انذار لقياداته لمغادرة ايران ، هذا الى جانب التوترات العسكرية المفتوحة من لبنان الى العراق الى اليمن إلى الخليج؟
من الناحية الاستراتيجية، تمتلك واشنطن أدوات مشابهة لما استخدمته ضد مادورو، بل وأكثر عمقًا، ذلك أن الطبقة القيادية الإيرانية محاصرة بمزيج من العقوبات المتراكمة، والاستنزاف الاقتصادي الداخلي، والصراعات الإقليمية التي تستهلك مواردها. لكن ما يجعل السيناريو مختلفًا وأكثر تعقيدًا هو طبيعة النظام الإيراني نفسه: نظام مؤسسي، عقائدي، متعدد الأذرع ، وليس فردًا واحدًا يمسك بكل الخيوط. ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة تدرك أن الضغوط على رأس الهرم—المرشد والحرس الثوري—هي الكفيلة بإحداث الشرخ الذي قد يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام أو إجباره على التراجع.
في السياق الحالي، تسريب مكالمة تحمل صيغة “الإنذار الأخير” للرئيس الفنزويلي لم يكن حدثًا عابرًا، بل زلزالًا سياسيًا بحد ذاته. ومع ذلك، فإن الإدارة الأميركية يمكن أن تستخدم أدوات مشابهة للتأثير على قيادات طهران: رسائل مغلقة عالية المستوى تتضمن عرضًا بالخروج الآمن لبعض الشخصيات الأساسية مقابل وقف البرنامج النووي والصاروخي، واسلحة الدمار الشامل ، أو تفكيك منظومة النفوذ الإقليمي، أو القبول باتفاق تسوية يمنع الحرب. هذا السيناريو يصبح أكثر ترجيحًا حين تشعر واشنطن أن الضربة الإسرائيلية، إن حدثت، قد تفتح أبوابًا واسعة للتصعيد الإقليمي، وتجر الولايات المتحدة إلى صراع لا ترغب في الانخراط المباشر فيه.
الجانب الأخطر في المقارنة مع فنزويلا هو أن واشنطن تدرك وجود انقسامات كبيرة داخل النخبة الإيرانية . تسريبات سفر عائلات قادة النظام، وتزايد التصريحات الغاضبة من مسؤولين كبار عن “تناقض الأقوال والأفعال”، وتضارب المواقف ... كلها تشير إلى هشاشة داخلية قد تجعل إنذارًا أميركيًا موجهاً لشخصيات معينة أكثر تأثيرًا مما يبدو. فواشنطن لا تحتاج إلى تغيير النظام دفعة واحدة؛ يكفي أن تضغط على الحلقة الأضعف داخل منظومة القيادة، وتقدم ممرًا آمنًا لمن يقبل بالانسحاب قبل لحظة الانفجار، تمامًا كما تفعل حاليا مع مادورو.
لكن الفارق الجوهري يكمن في أن المرشد والحرس الثوري لا ينظرون إلى السلطة كامتياز سياسي، بل كواجب عقائدي وجودي ومصلحي شخصي. أي إنذار أميركي مباشر سيُقرأ فورًا بوصفه إعلان حرب، وليس صفقة نجاة. ومع ذلك، فإن واشنطن قد تستهدف ما هو أقل من إقناع خامنئي بالخروج، وأكثر من مجرد تهديد. قد تستخدم مزيجًا من التهديد العسكري، والتسريبات الاستخبارية المحسوبة، والرسائل السرية التي تضغط على بعض القيادات من الصف الاول و الثاني والثالث، ممن يخشون أن يتحولوا إلى وقود حرب لا قرار لهم فيها. وهذا النوع من الضغط قد يؤدي إلى تصدعات داخلية، أو حتى إلى مطالبات من داخل النظام نفسه بتغيير النهج لمنع “ساعة الصفر” التي تقترب.
السيناريو الأكثر واقعية ربما لا يشبه نموذج مادورو بالكامل، لكنه يستفيد من منطق الإنذار الأميركي ذاته: دفع الخصم إلى حافة الهاوية ثم عرض حبل النجاة لمن يقبل به. بالنسبة لواشنطن، ليس المطلوب مغادرة خامنئي إيران على متن طائرة خاصة، بل خلق معادلة تجعل استمرار النظام بشكله الحالي أخطر على قادته من التخلي عن بعض عناصر القوة. ومع تصاعد احتمالات الضربة الإسرائيلية، يصبح هذا النوع من الإنذارات—السرية أو العلنية—ورقة أميركية جاهزة للاستخدام، ليس لتحقيق تسوية سياسية فحسب، بل لتغيير قواعد اللعبة في لحظة إقليمية متوترة.
هنا، تصبح مقارنة مادورو بطهران ليست مجرد تحليل سياسي، بل محاولة لفهم العقل الاستراتيجي الأميركي الجديد: عقل يحوّل الخصم إلى رهينة خيارين—النجاة الفردية أو السقوط الجماعي—ويترك الباقي لميزان الرعب داخل الأنظمة المغلقة، وسهولة عملية استهدافهم في أية لحظة .