9 نقاط هامة حول مدينة عمرة يضعها الخبير الاقتصادي عايش
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن مشروع مدينة عمّرة يعد واحدًا من أبرز المقترحات العمرانية ذات البعد القومي في الساحة الوطنية؛ إلا أن ثِقل التساؤلات حول جدواه وُضع على موازين النقاش العام، إذْ إن التباين الحكومي بشأنه — من إقرارٍ إلى إلغاءٍ ثم إعادة طرح — يكشف بوضوح أن حالة الضرورة المتعلقة بإقامته لم تُستَقر بعد على مستوى صُنّاع القرار.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المشكلة لا تكمن في الفكرة بحد ذاتها، وإنما في الإطار المؤسسي، والمالي، والتخطيطي الذي سيُسَيَّر من خلاله المشروع، إذ إن نجاحه أو فشله سيُقاس بمدى قدرته على الارتباط بالخُطط التنموية الوطنية لا بعزلٍ شكلي عن السياق.
وبيّن عايش أن الأرقام الأولية التي تُتداول - والتي تفوق ثمانية مليارات دينار - تعد مؤشرًا على ضخامة الاستثمارات المطلوبة، وما يستتبعه ذلك من قرارات مالية ذات أثرٍ بعيد المدى، وعلى الرغم من أن تخصيص الأرض من الخزينة يُنظَر إليه كعاملٍ إيجابي يقلل كلفة الاستملاكات، فإن التجارب التاريخية المحلية والإقليمية تُبيّن أن المشاريع الكبرى تبدأ بنوايا حسنة وتنتهي بأعباءٍ على الموازنة إذا غاب الإطار الرقابي والحوكمة الرشيدة، ولذلك فإن أولى محددات الجدوى الاقتصادية الحقيقية تكمن في الهيكل المالي للمشروع: نسب مشاركة القطاع الخاص، صيغة العقود، آليات تحمّل المخاطر، وطبيعة التمويل (دَفْعٌ مباشر مقابل اقتراض عام).
وذكر أن الطموح الذي يُحاك على مدارٍ يمتد إلى 25 سنة (حتى منتصف القرن) يجعل المشروع رهينًا بمتغيّراتٍ جيو-اقتصادية وتقنية قد تُعيد صياغة أولويات التنمية العالمية والإقليمية، وبمعنى آخر، إن الاعتماد على فروض ثابتة لبناء مدينةٍ قادمة إلى عام 2050 يُخضع المشروع لمخاطر اعتماد بَنى افتراضية قد تصبح بالية ما لم تُرَسَّخ مقاربات مرنة قابلة للتعديل وفق سيناريوهات متعددة.
ونوّه إلى أن المشروع قد يُفضي - في حال إدارته بصورة معزولة - إلى خلق "نماذج مدن بطبقات"، أي مدن متقدمة تضم خدمات وبنى تحتية راقية، مقابل مدن قائمة تُهمش ويُهمل تحديثها، لذا، لا بد من أن تكون مدينة عمّرة مكمِّلة لإعادة تأهيل العمران القائم (عمان، الزرقاء، إربد وغيرها)، لا بديلة عنه؛ بمعنى أن التفضيل الحقيقي يكمن في ربط المشروع بسياسات إقليمية للتنمية المتوازنة وتحويله إلى أداة لتخفيف ضغوط التكدس السكاني والاختناقات الخدماتية وليس إلى مركزٍ يستقطب المواردَ على حساب محيطه.
بالنظر إلى المضاعف الاقتصادي، فالإجماع النظري يقترح أن استثمارات البنية التحتية والإنشاءات تُحدث أثرًا مباشرًا وغير مباشر على قطاعات المقاولات والمواد الأساسية والنقل والخدمات؛ فكل دينار يُنفق قد يُولِّد أكثر من دينار في الناتج المحلي عبر سلاسل توريد متصلة، وفقًا لما صرّح به عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، غير أن قوة هذا المضاعف مرتبطة بعدة شروط هي: نسبة المحتوى المحلي في مدخلات البناء والخدمات، وقدرة الاقتصاد على استيعاب الإنفاق دون حثّ تضخمٍ مفرط، ومدى نجاح المدينة في اجتذاب أنشطةٍ إنتاجية حقيقية لا اقتصارها على عوائد بيع الأراضي العقارية، وربطها بمنظومة تكنولوجية وبنية رقمية متقدمة تشجّع الاستثمارات المعرفية والتكنولوجية.
ولفت الانتباه إلى أن الآلية الإدارية وحوكمة المشروع تشكلان منعرجًا حاسمًا؛ إذْ لا يكفي إنشاء هَيئة أو ذراع استثماري حكومي لإدارة المشروع فحسب، لذلك، لا بد من أن تُهيكل هذه الذراع وفق معايير احترافية تتضمن ما يلي: شفافية عقود الشراكة، آليات اختيار المستثمرين، ضوابط لمنع المضاربات العقارية، نظم متابعة زمنية ومالية دقيقة، ومقاييس أداء واضحة ترتبط بمؤشرات اجتماعية واقتصادية قابلة للقياس، فغياب الحوكمة يزيد احتمالات انتقال المشروع من أداة تنموية إلى عبءٍ تشغيلي ومادي على الموازنة.
ونوّه عايش إلى أن الدروس المقارنة - ولا سيما من تجربة العاصمة الإدارية المصرية - تحمل عبرتين؛ فمن جهة أثبتت التجربة قدرة مشاريع مماثلة على خلق آلاف الوظائف في قطاع الإنشاءات وجذب استثمارات عقارية وخدمية، ومن جهة أخرى أظهرت مخاطر تضخيم الدين العام وتحويل جزءٍ كبير من الموارد لخدمة مشروع يخدم فئات محددة دون معالجة أزمات الخدمات في المدن التقليدية، بالتالي، لا بد من قراءة هذه التجارب استيعابًا نقديًا يستخلص سياسات للتعويض عن سلبيات: ضمان شمولية الفوائد، تفادي التمويل المفرط عبر الدين، وضمان استفادة متوازنة للأقاليم.
وذكر أن الشرط الاستراتيجي للموقع لا يقتصر على الجغرافيا المحلية؛ فموقع عمّرة على مفترق طرق يربط الأردن بالسوق السعودية، والسورية، والعراقية يُمكِّنها من أن تصبح عقدة لوجستية وإقليمية متكاملة، شرط أن تُصمَّم مناطق حرة ومرافق لوجستية ومراكز معارض تربط الإنتاج المحلي بالأسواق الإقليمية، وفي هذه الحالة تتحقق قيمة مضافة حقيقية تتجاوز الإرث العقاري إلى اقتصاد إقليمي متصل.
وأكد أهمية أن يُؤَسَّس المشروع على منظور خلق وظائف شاملة لا موسمية، تستهدف القطاعات الإنتاجية، والتقنية، والسياحية، والرياضية، والثقافية، وأن تُدمَج سياسات الإسكان الميسور، والتعليم، والصحة، ووسائل النقل العام، لا أن تظل المدينة "مشروعًا عقاريًا للنخبة"، ذلك أن الفارق بين مدينةٍ تعمل لمن يخلوها وبين مدينةٍ تُضمِر شعبًا ناشئًا يكمن في تصميم سياسات اجتماعية متوازنة ابتداءً.
أما التوصيات العملية الملحّة فتتركز وفقًا لعايش في النقاط التالية المتكاملة: اعتماد إطار مالي هجين يوزع المخاطر بين القطاع العام والخاص ويحد من لجوء الحكومة إلى الاقتراض المباشر، إنشاء ذراع استثماري حكومي مختصّ مُؤسَّس قانونيًا وفنيًا وقادرًا على إدارة عقود شراكة طويلة الأمد، إلزامية نسب محتوى محلي في عقود الإنشاء لتعظيم المضاعف الاقتصادي، ربط تنفيذ المراحل بأهداف قابلة للقياس مرتبطة بتحسين خدمات المدن القائمة، بناء شبكة نقل عام وطنية تتضمن خيار الربط بالسكك الحديدية، وإطلاق حزمة تشجيعات لجذب استثمارات تكنولوجية وصناعية لا تقتصر على العقارات.
وأشار إلى ضرورة وضِع مشروع عمّرة في سياقٍ استراتيجيٍ شاملٍ يربطه بإصلاح البنى التحتية الحضرية والنقل والتنمية الإقليمية، ويُدار بحوكمة صارمة وشفافة، فهنالك احتمالٌ حقيقي لأن يتحول إلى رافعةٍ للنمو والتشغيل والتحول الاقتصادي، أما إذا صار مشروعًا معزولًا عن المحيط الاجتماعي والاقتصادي، أو تم تمويله عبر مديونية مفرطة، فإنه ــ لا محالة ــ سيمثل عبئًا طويل الأمد يفاقم اختلالات التوزيع والتنمية بدل حلّها.