العتوم يكتب: ضربة استخبارية مفاجئة: أستراليا تواجه الحرس الثوري الإيراني

د.نبيل العتوم

جاء قرار أستراليا بوضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الجهات الداعمة للإرهاب كخطوة كبيرة لها تأثير مباشر على العلاقة المتوترة أساساً بين كانبيرا وطهران ؛ فالقرار لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان نتيجة تراكم معلومات استخبارية أكدت للحكومة الأسترالية أن نشاط الحرس الثوري لم يعد محصوراً خارج حدود إيران الاقليمية القريبة ، بل وصل إلى مستوى يهدد الأمن الداخلي لدولة بعيدة مثل أستراليا. وهذا التحول الخطير بدأ يظهر منذ هجمات معادية للسامية في سيدني وملبورن، ثم تبيّن لاحقاً، من خلال تحقيقات دقيقة، أن للحرس الثوري دوراً مباشراً فيها، ما رفع القضية إلى مستوى تهديد للأمن القومي.

ما كشفته منظمة الاستخبارات والأمن الأسترالية كان أساسياً في اتخاذ القرار ، فرغم أن التفاصيل الكاملة بقيت سرية، إلا أن تصريحات مديرها" مايكل بيرجس"، أوضحت أن الأدلة التي تم جمعها كانت حساسة ومباشرة، وقد تكون مستندة إلى مراقبة اتصالات أو اختراقات تقنية ومتابعة دقيقة ؛لذلك عندما تحدث عن “ارتباط واضح” بين الهجومين والحرس الثوري الإيراني، كان يشير إلى علاقة عملياتية حقيقية، وليس مجرد تعاطف أو دعم فكري. وهذا النوع من الأدلة هو ما أعطى الحكومة الأسترالية الثقة لتتخذ خطوة سياسية حاسمة ومرتفعة التكلفة، وهي تدرك تماماً أن طهران سترد بغضب .

ومع ارتفاع تقديرات الخطر، بدأت كانبيرا باتخاذ إجراءات دبلوماسية صارمة، ما أوحى بأن المسألة لم تعد سياسية فقط، بل أصبحت أمنية بالدرجة الأولى ؛فقرار نقل الدبلوماسيين الأستراليين من طهران إلى دولة ثالثة لم يكن خطوة رمزية، بل جاء تحسباً لاحتمال رد فعل قد يعرّضهم للخطر. كما أن إعلان السفير الإيراني أحمد صادقي “شخصاً غير مرغوب فيه” ومنحه مهلة للمغادرة عكس رغبة واضحة في قطع أي قناة قد تُستخدم لجمع معلومات أو التأثير داخل أستراليا.

ومع هذا التحول، لم تعد أستراليا تنظر إلى الحرس الثوري الإيراني كقوة عسكرية تعمل في الشرق الأوسط فقط؛ بل كجهة تمتلك أدوات سرية استخبارية تخريبية يمكن أن تعمل داخل المجتمعات الغربية. وهذا الإدراك الجديد يفسر لماذا أصبح وجود الحرس خارج إيران يُنظر إليه على أنه تهديد يتجاوز حدود النزاعات التقليدية؛ فالحرس قادر على بناء شبكات وتنفيذ عمليات في دول بعيدة جداً، وهذا ما جعل أستراليا تتعامل معه كتهديد مباشر.

وتزداد أهمية القرار عندما نضعه في سياق التعاون الأمني الدولي. فمن المتوقع أن تتشارك أستراليا معلوماتها مع دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ودول داخل الاقليم ، وهي دول تتعامل مسبقاً بحذر مع أنشطة الحرس الثوري الإيراني. وإذا توسع هذا التعاون، فقد يؤدي إلى كشف شبكات دعم أو تمويل عملت لسنوات بصمت في الغرب. وربما تكون الهجمات في سيدني وملبورن مجرد جزء من نمط أوسع تهدف من خلاله إيران إلى إرسال رسائل أو اختبار قدرتها على التحرك خارج حدودها الجغرافي .

وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة الأسترالية لطمأنة الداخل بأنها تتعامل بجدية مع أي تهديد خارجي، خاصة بعد سلسلة حوادث أمنية شهدتها البلاد في السنوات الماضية. أما بالنسبة للنظام الإيراني، فإن هذه الخطوة تشكل واحدة من أكبر الضربات الدبلوماسية التي يتعرض لها في السنوات الأخيرة، لأنها تسحب من الحرس الثوري الإيراني أي غطاء سياسي في التعامل مع أستراليا، وتدعم مرحلة جديدة من العزلة على طهران في الغرب. وهكذا يتحول التصنيف الأسترالي من مجرد قرار قانوني إلى ضربة استخبارية واضحة، تقيد حركة الحرس الثوري في الخارج، وتعيد رسم حدود نفوذه في أماكن كان يعتقد أنه قادر على التحرك فيها بعيداً عن الرقابة.