العتوم يكتب : قبل أن تشتعل الساحات : صرخة السيستاني الأخيرة لانقاذ شيعة لبنان
د.نبيل العتوم
جاءت رسالة المرجع علي السيستاني كما لو أنّها جرس إنذار أخير يطرق باب الطائفة الشيعية في لبنان في لحظة شديدة الحساسية والخطورة ؛فالرسالة لم تُكتب لملء فراغ سياسي، بل لتقول بوضوح إنّ الوضع بات يتجاوز قدرة الناس على الاحتمال، وإنّ استمرار الزجّ بالطائفة الشيعية في صراعات إقليمية يشكّل خطراً لا يقل عن أي حرب أو حصار.
منذ سنوات طويلة تُقدَّم علاقة إيران بلبنان تحت عنوان “دعم المقاومة”، لكن التجربة اللبنانية أظهرت أن هذا الدعم تحوّل تدريجياً إلى نفوذ واسع يضغط على القرار الشيعي ويعيد تشكيل أولويات الطائفة وفق مصالح إقليمية لا علاقة لها بحياة اللبنانيين اليومية أو بأمنهم. ومع كل تصريح من طهران يؤكد “أهمية” حزب الله للبنان، كان يتضح أن هذا الدور يتجاوز منطق المواجهة مع إسرائيل ليصل إلى حد التحكم بمسار السياسة والأمن والاقتصاد داخل الساحة الشيعية؛ ومحاولة الزج بشيعة لبنان في اتون الحريق الاقليمي ، واعتبار حزب الله كبش فداء للمشروع الايراني ولمصالح حزب الولي الفقيه ، وأحد اوراقها لابتزاز الغرب خدمة لمشروعها النووي والطائفي في المنطقة .
التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان على اكبر ولايتي مستشار المرشد خامنئي ، والتي رفعت من شأن وجود الحزب إلى ما هو “أكثر ضرورة من الماء والخبز”، أعادت إشعال النقاش حول الثمن الذي سيدفعه الشيعة مجددا في لبنان بسبب هذا الارتباط. فالحرب الأخيرة وما سبقها من مواجهات واغتيالات وضعت الطائفة أمام كلفة بشرية ومعيشية هائلة، بينما بقيت إيران بعيدة عن تبعات هذه الحروب، تُراقب وتضغط وتُدير المشهد من دون أن تصيبها شظايا الانفجار اللبناني.
هذا التراكم لم يولّد فقط تعباً اجتماعياً داخل البيئة الشيعية، بل رسّخ شعوراً بأن الدولة اللبنانية غائبة، وأن حزب الله أصبح دولة موازية لها مؤسساتها وشبكاتها وقوتها المسلحة، مما جعل شرائح واسعة داخل الطائفة تعتمد عليه في تفاصيل الحياة اليومية. ومع هذا الاعتماد تنحسر مساحة النقد، ويضيق هامش التعبير، ويُدفع أي صوت شيعي وطني يطالب بالسيادة والحياد إلى الهامش أو الاتهام أو القتل .
وسط هذا المشهد جاءت رسالة السيستاني لتسلّط الضوء على جانب غالباً ما يجري تجاهله: أمن الناس قبل كل شيء. فالمرجع الذي نادراً ما يتدخل في السياسة اللبنانية، اختار أن يرفع صوته هذه المرة ليحذّر من أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه قد يعرّض الشيعة في لبنان لتهجير جديد او ربما للدمار والابادة مع اقتراب ساعة المواجهة الحتمية مع اسرائيل ، ولخسائر غير مسبوقة لا قدرة للطائفة على تحملها بعد سنوات عجاف من الاستنزاف.
الرسالة لم تكن دعوة للقطيعة ولا للعداء، بل مطالبة بإعادة التوازن والوصول لتسوية ، وهي تُشير بشكل غير مباشر إلى أن إنقاذ الطائفة يبدأ من استعادة الدولة لدورها، ومن بناء جيش واحد يحتكر السلاح، ومن فتح الباب أمام صوت شيعي مستقل يرى أن لبنان يجب أن يكون وطناً لا ساحة للحروب. فالتخلص من هذا النفوذ ليس مهمة لحظة واحدة، بل مسار طويل يعتمد على إرادة داخلية وعلى غطاء خارجي يمنع تحويل لبنان إلى ساحة صراع مفتوحة.
في العمق، تحمل رسالة السيستاني معنى أبسط مما تبدو عليه: حماية الناس ووجودهم أهم من حماية أي مشروع. فإذا كان الصراع الإقليمي لا ينتهي، فإن اللبنانيين—وخاصة الشيعة منهم—لم يعودوا قادرين على دفع فاتورته. وهنا يصبح السؤال: هل تلتقط القوى الفاعلة هذا التحذير وتعيد حساباتها، أم تُصرّ على السير في الطريق ذاته ولو على حساب لبنان وشعبه ووجوده هذه المره ؟.
الجواب لم يتضح بعد، لكن الرسالة كانت واضحة: المرحلة حرجة جدا وخطيرة ، والوقت لا يسمح برفاهية الإنكار. لبنان يحتاج إلى دولة، والطائفة الشيعية تحتاج إلى حماية لا تأتي من خارج حدودها، بل من وطن يعترف بها وبحقها في الأمان والكرامة والبقاء والمستقبل بعيدا عن ايران وثورتها الحمراء المضرجة بدماء شعبها ،وشعوب دول المنطقة .