ترامب بنقلب على الإخوان... ويكتب نهايتهم
قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقاضي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين - بجميع امتداداتها الحزبية والتنظيمية والإعلامية - منظمة إرهابية، يمثل أكثر من مجرد إجراءٍ معزول أو وليد ظرف طارئ.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أن ذلك يعد تحولًا عميقًا في العقيدة الاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي، بعد عقود من القبول، بل والتوظيف المباشر وغير المباشر للجماعة في حقب متعددة.
وبيّن النظامي أن الولايات المتحدة، منذ خمسينيات القرن الماضي، تعاملت مع الإخوان المسلمين بوصفهم فاعلًا قابلًا لإعادة التدوير في سياقات المواجهة مع التيارات القومية واليسارية، ثم لاحقًا مع الثورة الإيرانية وصعود الحركات الجذرية، وقد شكّل هذا الدور - بحسب وصفه - جزءًا من آليات إدارة التوازنات في الشرق الأوسط، وليس مشروعًا لتمكين الجماعة كبديل دائم في الحكم.
وأشار إلى أن واشنطن سمحت، بل دعمت في محطات عديدة، حضور الجماعة في بعض الدول العربية والإسلامية، باعتبارها حاجزًا أيديولوجيًا يمكن استدعاؤه عند الحاجة لتعديل موازين القوى الداخلية، أو لابتزاز أنظمة سياسية قائمة، أو لخلق بدائل محتملة عند اهتزاز شرعية الحكم.
ولفت النظامي إلى أن القرار الأمريكي الأخير يأتي في سياق ما سمّاه "إعادة تشكيل البيئة الإقليمية"، وهو مشروع يستهدف إزالة البنى السياسية والأيديولوجية التي لم تعد قابلة للدمج في نموذج الاستقرار الأمريكي الجديد، مستطردًا أن الشرق الأوسط ما بعد الفوضى لم يعد يحتمل وجود كيانات سياسية ذات مرجعية إسلامية، سواء كانت سلمية أو مسلحة، لاعتبارات تتصل بمفهوم الأمن القومي الأمريكي ومقتضيات التحالفات الإقليمية الجديدة.
وأضاف أن هذا التحول يتقاطع بشكلٍ لافت مع مواقف عربية وإسرائيلية سبقت القرار الأمريكي، واعتبرت الإخوان المسلمين تنظيمًا محظورًا أو إرهابيًا، مما جعل القرار الأمريكي يبدو كـ"إغلاق رسمي" لمرحلة تاريخية طويلة.
وأشار النظامي إلى أن القرار لا يستهدف بالضرورة تصفية الجماعة تنظيميًا، فهو يسعى إلى إنهاء وظيفتها التاريخية التي أدّتها ضمن بناء النفوذ الغربي في المنطقة، فالجماعة، وفق رؤيته، فقدت قدرتها على العمل كـ"أداة ضبط سياسي"، وتحولت في المنظور الأمريكي إلى عنصر خلل قد يساهم في إنتاج مزيد من عدم الاستقرار بدل احتوائه.
وتابع أن واشنطن باتت ترى أن استمرار وجود الجماعة بصيغها المختلفة يحمل مخاطر تمس الأمن القومي الأمريكي ذاته، فضلًا عن الأمنين العربي والإسرائيلي، الأمر الذي جعل قرار التصنيف يبدو تتويجًا لمنحنى تراكمي وليس خطوة مفاجئة.
ونوّه النظامي إلى أن قرار ترامب كان مطروحًا خلال ولايته الأولى، قبل أن تؤجله الإدارة الأمريكية ريثما تتبلور ملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومع نضج شروط هذا المشروع، بدا أن الوقت قد حان لإغلاق ملف الإسلام السياسي التنظيمي، وفي مقدمته الإخوان المسلمون، باعتبارهم آخر الحلقات الكبرى في منظومات الدور الوظيفي القديم.
وخلُص إلى أن القرار الأمريكي يمثّل إعلانًا رسميًا لنهاية الدور الوظيفي للجماعة على المسرح الدولي، وقطعًا نهائيًا لشبكة العلاقات التاريخية التي ربطت الجماعة بالقوى الغربية، وترسيخًا لمعادلة أمنية جديدة تعتبر الإسلام السياسي تهديدًا مشتركًا، بالإضافة إلى إزاحة فاعل تاريخي لم يعد قابلًا للاندماج في النظام الإقليمي قيد التشكل.
وحذر النظامي من أن السياسة - كما تكشف التجربة - لا تقوم على التحالفات الدائمة، وإنما على الأدوار المؤقتة، وقد قبلت الجماعة أن تكون جزءًا من وظيفة كبرى، لكنها تجاهلت أن السفينة الدولية لا تتسع إلى ما لا نهاية، وأن لحظة التخلص من "الركّاب الزائدين" هي جزء أصيل من القوة حين تبلغ الأنظمة نقطة التحوّل.