انتفاضة جديدة على الأبواب في الضفة الغربية

 

قال خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور إنّ ما يجري في الضفة الغربية تجلٍّ صارخ لتحوّل عميق داخل المنظومة الإسرائيليّة، يقوده الجناح الأكثر تطرفًا في الحكومة بقيادة بن غفير وسموتريتش.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنهما عملا على إعادة صياغة العلاقة بين الدولة، والمجتمع، والمستوطِنين وفق رؤية تقوم على تغوّل الاستيطان، وتسييل العنف، وتقويض القانون، وتحويل السيطرة على الأرض والإنسان الفلسطيني إلى ممارسة ميدانية لا تخضع لأي قيد.

وبيّن الأعور أنّ عربدة المستوطنين التي امتدّت من مسافر يطا جنوبًا حتى قرى نابلس شمالًا أصبحت جزءًا من عقلية أمنية متمردة، مضيفًا أنّ "فتية التلال" باتوا يشكّلون تجمعًا ميليشياويًا يتحرك وفق عقيدة أيديولوجية صلبة، وتحظى بغطاء رسمي مكشوف.

وأشار إلى أنّ التقارير الصادرة عن الصحافة العبرية، ولا سيما هآرتس، تكشف عن تورّط بعض وحدات الجيش في توفير الحماية الميدانية لهذه المجموعات، الأمر الذي يعكس ـــ بتعبيره ـــ انزلاق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نحو منطق الميليشيات، ويفضي إلى تفكك في منظومة الانضباط العسكري وتآكل في الشرعية التي تستند إليها القوة النظامية.

ونوّه الأعور إلى أنّ بن غفير أعاد تشكيل جهاز الشرطة بما يتجاوز حدود الصلاحيات التقليدية، من خلال إصدار توجيهات تسمح لرجال الأمن بإطلاق النار على الفلسطينيين دون خوف من المحاسبة، لافتًا إلى أنّ هذا السلوك يمثّل انقلابًا في منظومة الأمن الداخلي، ويحوّل الفلسطيني إلى "هدف مباح" خارج أي إطار قانوني.

وذكر أنّ الضفة الغربية باتت بركانًا خامدًا قد ينفجر في أي لحظة، بفعل تزايد معدلات الاحتقان الشعبي وتداعيات الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية نتيجة قرصنة أموال المقاصة، ما أدى إلى إرهاق الأجهزة الأمنية الفلسطينية نفسها، حيث لم يعد ضباطها قادرين على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لعائلاتهم، وهو ما يخلق ـــ وفق الأعور ـــ بيئة قابلة لإعادة تشكيل دور الأجهزة الأمنية على نحو غير مسبوق.

وأضاف أنّ العمليات الأخيرة التي نفذها عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، سواء في غوش عتصيون أو في نابلس، تشكّل مؤشرًا لا يمكن التقليل من دلالاته، لأنها تعكس تحولًا في المزاج المؤسسي داخل الأجهزة الأمنية قد يطيح بمعادلة الضبط التقليدية.

وأوضح الأعور أنّ رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير حذّر الحكومة من أنّ استمرار تغوّل المستوطنين سيقود إسرائيل إلى مواجهة مفتوحة، مشيرًا إلى أنّ فتح جبهة الضفة الغربية سيستنزف الجيش الإسرائيلي بالكامل بحكم وجود 750  ألف مستوطن يحتاجون إلى حماية دائمة ومستمرة، ما يجعل هذه الجبهة أثقل وأكثر خطورة من جميع الجبهات التي يفاخر نتنياهو بأنه يواجهها.

وأشار إلى أنّ الجغرافيا السياسية للضفة الغربية تمنحها قدرة استثنائية على التأثير الاستراتيجي المباشر، إذ إنّ قلقيلية تبعد كيلومترًا واحدًا فقط عن كفر سابا، فيما تشرف جبال رام الله وبيرزيت على مطار بن غوريون، وهو ما يجعل الضفة ساحة حساسة قادرة على شلّ الحركة الإسرائيلية في العمق خلال ساعات قليلة في حال اندلاع مواجهة واسعة.

وشدّد الأعور على أنّ استمرار اقتحامات الجماعات اليهودية المتطرفة للمسجد الأقصى، بالتوازي مع الاعتداءات المنظمة في رام الله، والبيرة، ونابلس، وترمسعيا، ومسافر يطا، يشكّل وصفة مكتملة لاندلاع انتفاضة جديدة، قد تختلف في بنيتها، ودينامياتها، وفاعليها عن كل ما سبق، بل وقد تكون انتفاضة تُصاغ ملامحها من داخل المؤسسة الأمنية الفلسطينية نفسها.

ونبّه إلى أنّ تأكيدات السلطة الفلسطينية القائلة بأن "الضفة تحت السيطرة" لم تعد قادرة على مواكبة الواقع الميداني، مضيفاً أنّ استمرار عربدة المستوطنين وغياب الضوابط الحكومية سيكونان الشرارة التي قد تقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وتجعل الضفة الغربية تدخل طورًا جديدًا من المواجهة المفتوحة، وأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قد تكون لاعبًا مركزيًا لا يمكن تجاهله في رسم المرحلة المقبلة.