غزة في أخطر منعطف منذ عقود... الرداد يوضح لـ"أخبار الأردن"
قال خبير الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إنّ إسرائيل، وانطلاقًا من المقاربة الأمنية السياسية التي تشكّلت ملامحها في إطار خطة شرم الشيخ المرتبطة برؤية إدارة ترامب، ما تزال تمارس سيطرة فعلية على ما يزيد عن 53% من مساحة قطاع غزة، وذلك عبر تكريس حالة التقسيم الجغرافي الميداني بين غزة الشرقية وغزة الغربية، وهو ما بات يُشار إليه اصطلاحًا بـ "الخط الأصفر".
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ إسرائيل لا تعترف عمليًا بأي خطوطٍ أو قيود ميدانية؛ إذ تتجاوز وفق سلوكها العملياتي الخط الأصفر، والخط الأخضر، وسائر المحددات المتفق عليها، مستندةً إلى عمليات عسكرية نوعية تُفعِّل فيها قدرات استخباراتية متقدمة، وتنفّذها في مختلف مناطق القطاع دون استثناء، رغم محاولاتها إظهار التزام إعلامي بحدود التقسيم المذكور.
وبيّن الرداد أنّ إسرائيل، ورغم تراجع مستوى العمليات العسكرية واسعة النطاق، ما تزال تُجيد استثمار البيئة الدولية، وفي مقدمتها مركز التنسيق الأميركي في غزة، إضافة إلى القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي حظي بتوافق دولي، لتعيد من خلاله شرعنة استمرار تدخلها العسكري تحت ذريعة استهداف "البنى التحتية لحماس" وقياداتها في مناطق تتجاوز التقسيم المعلن.
واعتبر أنّ هذا النمط من السلوك يعكس إسقاطًا إسرائيليًا لنموذجها في جنوب لبنان؛ أي الالتزام الشكلي بوقف إطلاق النار مع الاستمرار في تنفيذ عمليات دقيقة ضد أهداف قيادية لحركة حماس والجهاد الإسلامي.
وفي سياق قراءته لمسار المواجهة، أشار الرداد إلى أنّ إسرائيل تُوظف بذكاء سياسي وأمني ملف الجثث المحتجزة - رغم محدوديته - للضغط على حماس وإبقاء ورقة الابتزاز مفتوحة، فيما تدرك الحركة حجم المخاطر المترتبة على تقديم أي مبررات يمكن أن تُسهم في إطالة أمد الحرب؛ ولذلك تنخرط كتائب القسام في عمليات بحث دقيقة بالتنسيق مع الجانب المصري والصليب الأحمر الدولي، وهو ما تتابعه إسرائيل بمستوىٍ عالٍ من الرقابة، وقد تُعيق بعض هذه الجهود بصورة غير مباشرة.
رفح… مركز الثقل الجديد
وأضاف أنّ مدينة رفح أصبحت اليوم العنوان الأبرز في المشهدين السياسي والعسكري لما بعد العمليات الكبرى؛ إذ تسعى إسرائيل، مدعومةً بالمقاربة الأميركية، إلى إعادة بناء الخريطة الديموغرافية عبر إنشاء تجمعات سكانية "آمنة" يُمكن - عند تهيئة الظروف - دفعها باتجاه سيناء، في محاولة لإنتاج واقع اجتماعي مختلف عن المناطق الغربية للخط الأصفر التي ما تزال تحت سيطرة حماس.
كما أشار إلى أنّ إسرائيل استثمرت بصورة مكثفة السرديات المتعلقة بـأنفاق رفح ووجود مقاتلين محاصرين داخلها، رغم نفي حماس المتكرر لصحة هذه الادعاءات أو تبعيتهم لكتائب القسام، إلا أنّ إسرائيل حرصت على تضخيم هذه الرواية، خاصة بعد مقتل أحد ضباطها، ثم إعلانها خروج عدد من المقاتلين من الأنفاق بسبب نفاد الإمدادات واشتباكهم مع قواتها، وهو - وفق الرداد - تكتيك دعائي يهدف إلى تبرير استمرار العمليات الميدانية وإظهار أنّ حماس ما تزال قوة تستدعي المواجهة.
قدرات حماس وتحوّلات السلطة داخل القطاع
ورأى الرداد أنّ قدرات حماس العسكرية تراجعت بصورة واضحة مقارنة بالمراحل السابقة، سواء على مستوى منظومات الإطلاق الصاروخي أو القدرات العملياتية، مشيرًا إلى أنّ الحركة باتت تركّز على إثبات حضورها السياسي والعسكري والإداري للحفاظ على مفهوم "السلطة القائمة" داخل القطاع.
ونبّه إلى ظاهرة الميليشيات المحلية التي ظهرت في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، والتي تُثار حول بعضها شبهات تعاون أو تنسيق مع إسرائيل، ما يجعلها - في حال تثبيت وجودها - جزءًا من بنية إدارة انتقالية قد تُستغل لتقويض سلطة حماس، الأمر الذي قد يُنتج حالة من الفوضى الأمنية المركّبة التي تُحقّق لإسرائيل مكاسب استراتيجية، وربما تُغذّيها بصورة غير مباشرة.
الإغاثة بوصفها أداة ضغط استراتيجي
وأكد الرداد أنّ المساعدات الإنسانية، ورغم زيادة الشاحنات الداخلة إلى القطاع، ما تزال خاضعة لمقاربة إسرائيلية تقوم على التسييس واشتراط السماح بتدفقها بدرجة تتناسب مع استجابة حماس للضغوط، وبما يمهّد وفق التقدير الإسرائيلي للانتقال إلى "المرحلة الثانية" من التفاهمات.
وأشار الرداد إلى وجود انقسام عميق حول تفسير دور القوات الدولية في المرحلة اللاحقة؛ إذ تقوم المقاربة الإسرائيلية الأميركية على أن مهمتها الأساسية ستكون العمل داخل غزة الغربية بهدف تفكيك منظومات حماس القتالية، ومصادرة أسلحتها، وإغلاق أنفاقها، وربما اعتقال قيادات القسام، بما يجعلها امتدادًا ناعمًا لقوات الاحتلال.
في المقابل، فإن المقاربة العربية والدولية ترى أنّ دور القوات الدولية يجب أن يقتصر على منع التهديدات وحفظ الأمن على خطوط التماس، بينما تُترك إدارة الشؤون المدنية مثل: التعليم، الصحة، البلديات، الزراعة، الأمن الداخلي للفلسطينيين أنفسهم، بما يعيد استحضار دور السلطة الوطنية الفلسطينية وربط غزة بالضفة والقدس ضمن رؤية سياسية متكاملة.
ولفت الرداد إلى أن إسرائيل، وخصوصًا جناح اليمين المتشدد، ما تزال تُبدي رفضًا واسعًا لأي صيغة تُعيد إنتاج دور السلطة الفلسطينية، رغم أنّ القرار الدولي الأخير الصادر عن مجلس الأمن نصّ صراحة على دور مستقبلي للسلطة في حال استكمالها الإصلاحات المطلوبة.