تحليل: تأثير محدود لـ"التحديث الاقتصادي" على الدخل الفعلي

 

أصدر المنتدى الاقتصادي الأردني ورقة تحليلية جديدة بعنوان "رؤية التحديث الاقتصادي: تتبّع أثر البرنامج التنفيذي للمرحلة الأولى (2023–2025)"، تناولت بالتفصيل ما تحقق خلال السنوات الثلاث الأولى من تنفيذ الرؤية، مؤكدا أن المرحلة المقبلة (2026–2029) ستكون محطة أساسية لمراجعة الإنجاز وقياس أثره الفعلي على الاقتصاد ومستوى المعيشة.

وأوضح المنتدى أن المرحلة الأولى شهدت تحسنًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات مثل النمو الاقتصادي، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، واستحداث فرص عمل جديدة، إلا أن أثر هذه التحسينات على الدخل الفعلي وجودة الحياة ما يزال محدودًا، بسبب طبيعة القطاعات التي يقود نموها الاستثمار، والتي غالبًا ما تكون عالية القيمة أو رأسمالية ولا تنعكس مباشرة على الأجور والتشغيل.

وشدد المنتدى على ضرورة أن تركز المرحلة الثانية على رفع كفاءة التنفيذ وتحسين الإنتاجية، إضافة إلى مواءمة الأهداف الاقتصادية والمالية مع القدرات التمويلية الواقعية، لضمان تنفيذ مستدام وقادر على إحداث أثر مجتمعي أوسع. وأشار إلى أن وثيقة الرؤية وضعت المرحلة المقبلة كمرحلة توسع وتعميق تُبنى على نتائج المرحلة الأولى، بهدف شمول قطاعات جديدة وتعزيز الأثر الاجتماعي والاقتصادي.

وبيّن المنتدى أن الرؤية ما تزال تُعد إطارًا وطنيًا طويل المدى لتحفيز النمو وتحسين جودة الحياة، مشيرا إلى أن ما تحقق حتى الآن يمثل خطوة مهمة، لكنه يكشف في الوقت ذاته حجم الجهد المطلوب لاستدامة الإصلاح وتوسيع نطاق استفادة المواطنين من نتائج التنمية.

ولفت إلى أن الورقة الجديدة تأتي استكمالًا للورقة التحليلية الأولى التي صدرت في آذار 2025 بعنوان: "رؤية التحديث الاقتصادي: بين الأهداف الطموحة وواقع التنفيذ"، والتي شكّلت قاعدة لمتابعة تنفيذ الرؤية خلال المرحلة الأولى.

وأكد المنتدى أن إعداد البرنامج التنفيذي الجديد ما يزال قيد التطوير، وأن البيانات النهائية للمرحلة الأولى لم تصدر بعد، ولذلك استند التحليل الحالي إلى أحدث البيانات الرسمية المتاحة، مع التركيز على دور الاستثمار الأجنبي المباشر في دعم النمو الاقتصادي خلال الانتقال إلى المرحلة الثانية.

وعرض المنتدى الأداء العام للرؤية بوصفها الإطار المرجعي للسياسات الاقتصادية حتى عام 2033، حيث ترتكز على ركيزتين أساسيتين: إطلاق الطاقات الإنتاجية للنمو، وتحسين جودة الحياة. وتقوم على ثمانية أهداف رئيسية مدعومة بمؤشرات أداء واضحة، غير أن المنتدى أشار إلى غياب البيانات المحدثة الكاملة لمعظم مؤشرات الرؤية باستثناء بيانات فرص العمل والدخل الفعلي للفرد، ما جعلها محورين رئيسيين للتحليل.

وبخصوص الإنجاز التنفيذي، أوضحت الورقة أن الحكومة حققت 36.4% من أصل 641 أولوية خلال الفترة من مطلع 2023 وحتى نهاية الربع الثالث من 2025، أي 197 أولوية منفذة، مقابل 301 أولوية قيد التنفيذ بنسبة 55.6%، و38 أولوية متأخرة. وتوزع الإنجاز وفق محركات الرؤية على النحو الآتي: 60 أولوية في الصناعات عالية القيمة، 45 في الخدمات المستقبلية، 34 في الريادة والإبداع، و24 في الموارد المستدامة، بينما سجلت محركات نوعية الحياة، و"الأردن وجهة عالمية"، والاستثمار، والبيئة المستدامة تقدما متفاوتا تبعًا لطبيعة كل قطاع.

وفي ملف التشغيل، بينت البيانات أن عدد فرص العمل المستحدثة في 2024 بلغ 96,421 فرصة عمل، بنسبة تحقق بلغت 96.4% من الهدف السنوي، مقارنة بـ95,342 فرصة في 2023، إلا أن أثر ذلك على البطالة بقي محدودًا مع ثبات معدلها عند 21.3% في الربع الثاني من 2025. وأكد المنتدى أن نوعية وفرص الاستدامة الوظيفية أهم من العدد الإجمالي للفرص.

وأظهرت البيانات أن فرص العمل المستحدثة خلال المرحلة الأولى تراوحت بين 95–100 ألف فرصة سنويًا، وهي جهود إيجابية لكنها غير كافية لخفض البطالة بشكل ملموس، بسبب تركز الوظائف في قطاعات منخفضة الإنتاجية والأجور أو وظائف قصيرة الأجل.

وفي محور الدخل الحقيقي، بيّنت الورقة أن متوسط الدخل الفعلي للفرد ارتفع من 2,830 دينارًا في عام 2023 إلى 2,846 دينارًا في 2024، بنسبة نمو 0.6% فقط، وهي نسبة أدنى بكثير من هدف الرؤية البالغ 3% سنويًا. كما يظهر المسار التاريخي للدخل بين 2015–2024 أن نمو الدخل بقي أقل من 1% سنويًا منذ 2022، ما يكشف فجوة واضحة بين الأداء الكلي للاقتصاد والتحسن الملموس في مستوى معيشة المواطنين.

وفي هذا الإطار، أكد المنتدى أهمية تضمين مستهدفات واضحة للدخل الحقيقي في البرنامج التنفيذي الجديد، لكونها تعكس الأثر المباشر للنمو على حياة المواطنين. وأظهرت البيانات الرسمية أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغ 3,228 دينارًا في 2024، مقابل مستهدف يقارب 3,779 دينارًا بنسبة تحقق 85%، مع نمو بلغ 2.5% مقارنة بعام 2023، إلا أن هذا النمو لم ينعكس على الدخل الحقيقي.

وفي ملف الاستثمار الأجنبي المباشر، أشارت الورقة إلى أنه رغم عدم إدراجه كهدف رئيسي في وثيقة الرؤية، إلا أنه يعد محورا أساسيا لدعم النمو ونقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل نوعية. وبيّنت البيانات أن صافي الاستثمار الأجنبي في النصف الأول من 2025 بلغ 721 مليون دينار، مقابل مستهدف سنوي يبلغ 1,092 مليون دينار، أي ما نسبته نحو الثلثين خلال نصف عام. كما سجل الاستثمار الأجنبي 1,122.2 مليون دينار في عام 2024، متجاوزًا المستهدف البالغ 900 مليون دينار، ما يعكس تحسنًا واضحًا في بيئة الأعمال وثقة متزايدة بالاقتصاد الأردني.

وختم المنتدى بأن رؤية التحديث الاقتصادي تبقى الإطار الأكثر شمولية لمواجهة التحديات وتعزيز التنمية، مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب تطويرًا أكبر في أدوات التنفيذ والمتابعة وتوضيح الأثر الفعلي للمشاريع على التشغيل والدخل، لضمان تحول الرؤية إلى مسار دائم لتحسين حياة المواطنين، لا مجرد خطة زمنية محدودة.