نجاة 14 ألف محكوم في الأردن من السجن

 

جنّبت السياسة الجنائية الأردنية الحديثة، خلال الأعوام الثمانية الماضية، أكثر من 14 ألف محكوم عقوبات السجن، بعدما خضعوا لبدائل إصلاحية ساعدت في تقويم سلوكهم ومنحهم فرصة جديدة للاندماج في المجتمع دون سلب حريتهم.

وبحسب بيانات وزارة العدل، فقد ورد إلى الوزارة 11,181 ملفاً من أصل 14,136 حكماً ببدائل عقوبات، وتمكنت من تنفيذ 9,740 حكماً بشكل كامل، فيما لا تزال 1,441 قضية قيد الإجراء داخل منظومة التنفيذ.

وبدأ الأردن تطبيق العقوبات البديلة عام 2018 مع صدور 7 أحكام فقط، قبل أن يشهد النظام توسعاً مطّرداً؛ إذ صدر 124 حكماً عام 2019، و286 حكماً عام 2020، و302 حكماً عام 2021، ثم قفز العدد إلى 4193 حكماً في 2022، و3921 حكماً في 2023، و2392 حكماً عام 2024.

وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، أصدرت المحاكم 2,911 حكماً بالعقوبات البديلة، وصل منها لوزارة العدل 2,318 حكماً، وأنجزت الوزارة تنفيذ 1,875 حكماً بالكامل.

وتتعدد قصص المستفيدين من هذا النظام، بينها قضية لطالب جامعي قررت محكمة صلح جزاء عمان إلزامه بحفظ وتلاوة ما تيسر من القرآن كبديل للحبس، بعد ثبوت اعتدائه على شخص أسقط حقه الشخصي، فاعتبرت المحكمة أن العقوبة الإصلاحية كافية لردعه ولمنحه فرصة تصحيح مساره.

وأكد وزير العدل الدكتور بسام التلهوني أن نظام العقوبات البديلة منح آلاف المحكومين فرصة الابتعاد عن السجن، وتجاوز آثار العقوبات السالبة للحرية، خصوصا للحالات البسيطة التي لا تشكل خطراً على المجتمع، مشيراً إلى أن هذه السياسات أسهمت في تخفيف الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح وتقليل الأعباء على خزينة الدولة ومنع اختلاط غير المكررين بالمحكومين الخطيرين.

وأوضح التلهوني أن إدخال بدائل الإصلاح المجتمعي جاء انسجاماً مع الرؤية الملكية في الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني حول سيادة القانون، وهو ما ترجم عملياً عبر تعديل قانون العقوبات عام 2017 بإضافة المادة "25 مكرر" الخاصة بالبدائل، والمادة "54 مكرر ثانياً" المتعلقة بشروط تطبيقها.

وبيّن أنه وفق التعديلات الجديدة لقانون العقوبات لعام 2025، أصبحت المحاكم قادرة على استبدال العقوبة السالبة للحرية ببديل مجتمعي في جميع الجنح وبعض الجنايات التي لا تزيد عقوبتها على ثلاث سنوات، حتى لو اكتسب الحكم الدرجة القطعية، شريطة عدم تكرار الجريمة ودراسة الحالة الاجتماعية لكل محكوم.

وأشار إلى أن مخالفات القانون قد تنتج أحياناً عن غضب عابر أو اضطراب سلوكي، ولذلك جاءت البدائل الإصلاحية لتقويم السلوك ضمن بيئة مجتمعية آمنة، بعيداً عن آثار السجن التي قد تُفاقم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية للمحكوم وأسرته.

وتشمل بدائل العقوبات: الخدمة المجتمعية، البرامج التأهيلية، العلاج من الإدمان بموافقة المحكوم، المراقبة الإلكترونية، حظر ارتياد أماكن محددة، والإقامة الجبرية الجزئية أو الكاملة، مع ربط بعضها بأنظمة التتبع الإلكتروني.

ويُمنح قاضي تنفيذ العقوبات صلاحيات واسعة للإشراف على التنفيذ، ومنها تعديل مدة البديل أو استبداله ببديل آخر، أو رفع الملف إلى المحكمة لإلغاء البديل والعودة للعقوبة الأصلية إذا ثبت عدم التزام المحكوم.

وتتولى وزارة العدل، عبر مديرية العقوبات المجتمعية، متابعة التنفيذ والتنسيق مع الجهات الشريكة وتزويد المحاكم بتقارير دورية عن التزام المحكومين، إلى جانب إعداد برامج تأهيلية والعمل على تحديث قوائم الجهات المعتمدة لتنفيذ الأعمال المجتمعية.

وختم التلهوني بأن ضباط الارتباط يلعبون دوراً محورياً في إنجاح هذه المنظومة من خلال إعداد تقارير اجتماعية دقيقة عن كل حالة، ورفعها إلى القضاة تمهيداً لإصدار قرار يتناسب مع طبيعة الجرم، بما يضمن تحقيق الردع والإصلاح معاً.