الأقنعة المزيفة.. تحليل نفسي–اجتماعي
د. علي موسى الصبحيين
لماذا يرتدي الناس الأقنعة المزيفة؟.. وما قوة الدوافع الثقافية والنفسية في ارتداء الأقنعة المزيفة؟.. وما الدلالات النفسية للبس الأقنعة المُزيفة؟
يلبس البعض الأقنعة المزيفة لعدة أسباب منها: منها النفسية والاجتماعية، ومن أهم الأسباب النفسية: الحاجة إلى الحماية النفسية: فكثير من الأفراد يخفون مشاعرهم الحقيقية لتجنّب الأذى العاطفي أو الانتقاد. ويظهر ذلك فيما يسمّيه علم النفس بـ آليات الدفاع الأولية او النفسية مثل: الإخفاء، التمثيل، أو المبالغة، وهذا القناع يعمل كدرع مؤقت يسمح للفرد بأن يشعر بالأمان في بيئة غير مضمونة.
ويلبس الناس الأقنعة كذلك؛ للحفاظ على التقدير الذاتي حيث يخشى البعض أن تُظهر حقيقتهم نقاط ضعف أو نقص؛ فيتقمّصون صورة (مثالية) يحسّون أنها مقبولة اجتماعيًا، حيث يرتبط ذلك بنظريات الذات الاجتماعية، والهوية الُمدركة التي تؤكد أن الفرد يميل لعرض صورة مُحسّنة كي يشعر بقيمة أكبر.
ويأتي الخوف من الرفض الاجتماعي كسبب من أسباب لبس الأقنعة حيث القناع يُقلّل من الشعور بالتهديد الاجتماعي، وإذا اعتقد الفرد أن ذاته الحقيقية قد لا تُقبل، فإنه يعرض (نسخة أو صورة مصحّحة) مرضيّة للآخرين وهي (النسخة المزيفة).
كما يمكن أن يكون السبب أن الإنسان بطبيعته يقوم بضبط انطباعات الآخرين عنه، كما أوضح (غو فمان) في نظرية العرض المسرحي للذات. والقناع هنا ليس كذبًا بالضرورة، بل اختيار متعمّد لجزء من الهوية يناسب الموقف.
وأما الأسباب الاجتماعية والثقافية فمنها: توقعات المجتمع والضغوط الاجتماعية التي تفرض على الفرد بعض الأدوار المثالية، والمرغوبة اجتماعيًا، فعندما يشعر الفرد أن الدور المفروض لا يعكس ذاته، يلجأ للقناع تلبية للمعايير الثقافية والاجتماعية.
وتأتي ثقافة المقارنة والتنافس بين الناس في مجتمعات يغلب عليها التقييم المستمر، أو المقارنة (خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي)، حيث يزداد احتمال ارتداء الأقنعة لإظهار حياة أفضل وأنجح مما هي عليه في الواقع.
وأحيانا تفرض متطلبات العمل، والعلاقات المهنية هذه الأقنعة فالكثير من المهن تفرض شكلاً من التصرف الرسمي الذي قد يختلف عن الشخصية الحقيقية.فهنا القناع يصبح أداة لضبط السلوك بما يتوافق مع بيئة الفرد المهنية وبيئة العمل.
وأما الخوف من الوصم الاجتماعي فهذا خطير في ثقافاتنا فإذا كان المجتمع قليل التسامح مع الأخطاء، فإن القناع يُصبح وسيلة لتجنب الإدانة، أو الإحراج.
ولكن ماهي الدلالات النفسية لكي يلبس الفرد القناع؟ فليس هناك سبب، إنما مجموعة أسباب منها: قد يكون الفرد في صراع بين ذاته الحقيقية التي هو عليها حقيقة، وذاته الاجتماعية: التي يرغب أن يظهر فيها أمام الناس والمجتمع، أو ذاته المثالية التي يسعى ويرغب أن يصل إليها. فقد أشار أحد كبار علماء النفس (روجرز) إلى أن الفجوة الكبيرة بين الذاتين تُنتج توترًا وقلقًا داخليًا، وأن ارتداء القناع بشكل مستمر قد يؤدي إلى فقدان الإحساس بالهوية الأصلية.
كما أن الاحتياج للانتماء قد يكون سببًا حيث إن بعض البشر بطبيعتهم يسعون للانضمام إلى بعض الجماعة، ولذلك يتوافقون مع تصوراتها وعاداتها، ولباسها..الخ حتى لو لم تعكس حقيقتهم. وتأتي الرغبة في السيطرة أحيانًا على الآخرين سببًا في لبس القناع حيث يكون وسيلة للتأثير في الآخرين، أو التحكم في تفاعلهم. وهذا يظهر في الشخصيات التي تعتمد على التلاعب الاجتماعي (النصب والاحتيال) أو الهيمنة الرمزية.
ولكن ماهي نتائج ارتداء الأقنعة على الفرد؟ فقد يكون الإرهاق النفسي والتعب حيث إن التظاهر المستمر يُجهد الدماغ، والتفكير، ويتطلب مراقبة دقيقة للسلوك والانفعالات مما يعرض الفرد للإجهاد والتعب. كما يكون من النتائج ضعف العلاقات الحقيقية للفرد مع الآخرين فالعلاقات المبنية على صور مزيفة تكون هشة ومعرّضة للانهيار عند أول أزمة. كما قد تتأثر الهوية الشخصية وتتآكل فالإفراط في استخدام الأقنعة قد يجعل الفرد غير قادر على معرفة نفسه وذاته بشكل حقيقي!!
وأخيرًا لماذا يستخدم بعض الناس الأقنعة المزيفة أكثر من غيرهم؟
فقد يكون السبب: في مستوى الثقة بالنفس، أو التعرض لخبرات سابقة مؤلمة أو مرفوضة. أو قد يكون السبب في البيئة الأسرية، ومرحلة الطفولة، أو نمط الشخصية (مثل الشخصية القلقة أو الاعتمادية). أو ثقافة المجتمع كالمجتمع الجمعي الذي يتأثر فيه الفرد بالآخرين من حوله فيرتدى ما يرتدون، ويهتم لما يقولون، ويغير سلوكه بناء على آرائهم، دون النظر لما يريد هو.
أتمنى أن يسلك الفرد، أو الجماعة كما هو على حقيقته دون أقنعه كي يشعر بالسعادة بنفسه دون اعتقاد أنها تأتي من الآخرين، ومن المصادر الخارجية.