العد التنازلي بدأ... حرب باردة نووية
قال الخبير العسكري أيمن الروسان إنّ العالم اليوم يقف على حافة مرحلة حرجة من التاريخ المعاصر، إذ تتبلور في الأفق ملامحُ مواجهة من نوعٍ مختلف بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن البيئة الدولية الراهنة تُعدّ الأكثر توترًا منذ عقود، حيث يشهد النظام الدولي أخطر تهديد نووي منذ الحرب الباردة، وهو تهديد يتنامى بصورة تدريجية ودراماتيكية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ أخذت مؤشرات التصعيد تتصاعد بوتيرة تُنذر بسباق تسلّح نووي جديد، في ظلِّ قرارات متبادلة من موسكو وواشنطن تستهدف استعراض القدرات وإعادة تموضع ميزان القوى الاستراتيجي.
وبيّن أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وجّه مؤخرًا وزارة الدفاع الروسية لإعداد مقترحات بشأن تنفيذ تجارب نووية محتملة، وذلك ردًّا على توجيهات سابقة أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستئناف اختبارات الأسلحة النووية، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة سباق التفوق النووي بعد عقود من ضبط النفس النسبي.
وأردف أن روسيا نفّذت بالفعل تجارب استراتيجية متقدمة، شملت اختبار الغواصة المسيّرة النووية "بوسيدون"، القادرة على حمل رؤوس نووية وإحداث موجات تسونامي هائلة يمكنها إغراق مدن ساحلية بأكملها، فضلًا عن تجربة صاروخ "بوريفيستنيك" العامل بالطاقة النووية، الذي يتميّز بقدرته على التحليق لمسافات طويلة وعلى ارتفاعات منخفضة، ما يُصعّب رصده أو اعتراضه بأنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
ولفت الروسان إلى أن هذه التطورات تؤكد سعي روسيا إلى تحديث ثالوثها النووي والمتمثلة في بنية الردع الاستراتيجي القائمة على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ المطلقة من الغواصات، والقاذفات الاستراتيجية، لتشكل شبكة ردع متكاملة برًا، وبحرًا، وجوًا، في تحدٍ مباشرٍ لتحذيرات واشنطن، ما يعيد إلى الذاكرة أجواء الحرب الباردة، أو ربما ما يمكن وصفه اليوم بالنسخة الساخنة منها، القائمة على سباق التكنولوجيا النووية أكثر من التفجيرات التجريبية.
ونبّه إلى أن الولايات المتحدة من جانبها أعلنت مسبقًا عن إطلاق تجريبي لصاروخ "مينيتمان-3" العابر للقارات، المنافس للصاروخ الروسي "سارمات" الملقّب بالشيطان، مشيرًا إلى أن هذا الإخطار الأمريكي يعكس احترامًا نسبيًا لبنود معاهدة "نيو ستارت" التي تنظّم التسلح النووي بين الطرفين وتُلزم كلاً منهما بإبلاغ الآخر بتفاصيل التجارب تعزيزًا للشفافية وتفاديًا لأي سوء تقدير استراتيجي.
وأضاف الروسان أن هذه المعادلة المعقدة تُعيد التذكير بمعاهدة حظر التجارب النووية الشاملة لعام 1996، التي لم توقّع عليها الولايات المتحدة ولا الصين، بينما انسحبت منها روسيا عام 2023، مشيرًا إلى أنّ العالم لم يشهد منذ 25 عامًا سوى تجربة نووية واحدة نفذتها كوريا الشمالية عام 2017، ومع ذلك، يرى أنّ احتمالية العودة إلى التجارب التفجيرية الفعلية تبقى منخفضة، نظرًا إلى حساسية الوضع الدولي وخطورة التداعيات البيئية والسياسية.
وقال الروسان إن ما يجري اليوم هو حرب إعلامية واستعراض نفسي للقوة أكثر منه سباقًا ميدانيًا حقيقيًا، إذ توظف الأطراف الكبرى خطاب التهديد والتصعيد لتوجيه الأسواق العالمية والتأثير في مؤشرات البورصات، ولتعزيز المواقف التفاوضية في الصراع الروسي الأوكراني، الذي يُشكّل في جوهره ساحة اختبار لموازين القوى الدولية الجديدة.
وشدّد على أن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى جانب القوى الغربية، يتحمّل جزءًا كبيرًا من مسؤولية تأجيج الموقف من خلال تمدده نحو حدود روسيا وإصراره على تعزيز الردع النووي، معتبرًا أن هذا النهج هو "محراك الأزمة" الذي يغذي حالة العداء ويقوّض فرص الاستقرار.
وحذّر الروسان من أنّ الانزلاق نحو سباق تفجيرات نووية ستكون له عواقب كارثية على الكوكب بأسره، لما قد يُنتجه من إشعاعات قاتلة وتداعيات بيئية وصحية مدمّرة تمتد لأجيال.
ودعا في المقابل إلى تحكيم العقل، وضبط الإيقاع الاستراتيجي، والتخلّي عن لغة الاستفزاز المتبادل، قبل أن يطيح الفأس بالرأس، مشيرًا إلى أن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تقتضي أن تكون السلامة الكونية هي أولوية تتجاوز اعتبارات القوة والمصالح الضيقة.