غزة تمر بأخطر مرحلة على الإطلاق

 

رحيل غرايبة

المحطة التي تمر بها الآن غزة وأهلها ومقاومتها من أخطر مراحلها.. لماذا؟

أعتقد أن هذه المحطة أخطر من مرحلة الحرب من حيث الأثر الحاسم على مصير غزة أولاً، ومصير شعبها ثانيًا، ومصير المقاومة بكل أشكالها وألوانها ثالثًا، ومن ثم مصير القضية الفلسطينية برمتها، وبعد ذلك مصير المنطقة والإقليم العربي كله، بلا مبالغة.

إن المتتبع لمجمل التصريحات الصادرة عن القادة والزعماء الأمريكيين والصهاينة الذين يتولون إدارة المرحلة الحاضرة، مع مقارنتها بتصريحات سابقة ومقالات ومقابلات مع القادة والمفكرين والمستشارين وأهل الرأي منهم، يتبين بوضوح أننا، ومنطقتنا والعالم العربي كله ومن حوله، أصبحنا على عتبة مرحلة جديدة تمّ الإعداد لها مسبقًا بهدوء وعقل بارد وفق المخطط الأمريكي–الصهيوني الواحد. كما تمت التهيئة المطلوبة للقفز خطوة حاسمة حاضرة ولو أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة؛ لأن الحرب وسيلة لخلق فوضى مقصودة تعيد ترتيب المنطقة وفق أسس ورؤية وآفاق جديدة مختلفة تناسب تطورات المخطط الرهيب في غيبة الاستعداد العربي.

نعود لجزئية غزة.. تم العمل على هدف تصفية القضية الفلسطينية كخطوة ضرورية من خلال تقنية "الملفات النهائية" التي تم تأجيلها في معاهدات التسوية السابقة، فأصبحت إسرائيل تتصرف بها من طرف واحد، وهي ملفات القدس والجولان والحدود والمستوطنات واللاجئين والمياه والمناطق العازلة. وتم الذهاب إلى أبعد من ذلك مثل ضم الضفة الغربية إضافة إلى القدس والجولان.

النقطة العالقة التي لم يتم إنجازها تتمثل في ملف إنهاء المقاومة بشكل جذري ونهائي. وقد تم التمهيد لذلك مع أغلب الدول العربية. وهذا الملف واسع ومعقد لكن بحسب الرأي المتفق عليه: آن أوان الحسم؛ ويتلخص بتدمير ما يُطلق عليه محور المقاومة الذي يعد الحاضنة الرئيسة، وكذلك الإسلام السياسي الذي يشكل محضنًا آخر للمقاومة. كل ذلك كان محلاً للإجماع الأمريكي–الصهيوني والغربي–العربي وأطراف أخرى، وما كان "اتفاق إبراهيم" إلا جزءًا من هذه الخطة المحبوكة بعناية.

تعهد نتنياهو بأن يكون رأس الحربة في تنفيذ هذا المخطط الجهنمي بالقوة الساحقة، وتعهدت الولايات المتحدة بتأمين كل ما تحتاجه عملية التنفيذ من قوة وتجهيزات ومعدات وحشد الدول الصديقة والدول الخاضعة والوقوف في وجه القرارات الدولية والأممية وإبطالها، والمشاركة الفعلية في التخطيط والتنفيذ والتدخل المباشر في الأوقات الحاسمة عند الحاجة.

أُطلقت يد نتنياهو بتدمير غزة أولًا بلا قيود، لكن العرب أشاروا عليه وتمنوا إنجاز المهمة بأسرع وقت. وتعهد "البطل الخارق" بإنهاء المهمة خلال شهر، حيث تمت الدعوة لعقد قمة عربية وإسلامية بعد شهر منذ لحظة بدء العدوان من أجل التعامل مع آثار "الانتصار المتوقع" لجيش الاحتلال.
مضى الشهر والشهران والعام والعامان ولم يتم إنجاز المهمة بتمامها أو وفق الأهداف المحددة لها.

جاء ترامب وتعهد بإنهاء المسألة التي لم يستطع العجوز السابق إنهاءها، وتعهد بفتح أبواب الجحيم، وفتحها فعلاً حسب رأيه من خلال القنابل الثقيلة والخارقة. وشارك في ضرب إيران وتدمير مفاعلاتها النووية، وضرب اليمن، وقتل واغتال القيادات في الصف الأول والثاني والثالث، وأعطى مددًا إضافية لإنجاز المهمة. وسمح لنتنياهو باختراق اتفاقات وقف إطلاق النار تحت عنوان: "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". وحاول قتل الوفد المفاوض لحماس والقضاء على المكتب السياسي في قطر البلد المكلف باستضافة الوفود المفاوضة، في سابقة ربما لم تحدث في التاريخ الإنساني.

الآن، بعد انقلاب الرأي العام الغربي والعالمي وانكشاف الخديعة الجهنمية على أوسع نطاق، تم اللجوء إلى الخطة (ب)، التي تتمثل في استكمال إنجاز أهداف الحرب على غزة من خلال شكل آخر تحت عنوان اتفاق مؤقت وإنهاء الحرب بشكل "ناعم" كما يريد نتنياهو. وهنا مكمن الخطر الذي يمثل عنوان المنشور.

الخطر يكمن في خطة ترامب التي تضمنت أهداف نتنياهو كما أعلنها ومائة مرة، وكما كتبها بخط يده في التعديلات التي أدخلها على نصوص الاتفاقية بعد عرضها على الدول العربية والإسلامية في نيويورك على هامش اجتماع الأمم المتحدة.

المراد بالإتفاقية أن إنجاز آخر أهداف الحرب—بتسليم أسلحة المقاومة وتدمير الأنفاق—من الأفضل أن يتم على أيدٍ عربية وإسلامية بإشراف أمريكي وبحضور إسرائيلي عن طريق صهاينة مثل كوشنر وبيتكوف وربما توني بلير. وأراد العرب أن يكون ذلك بغطاء دولي عن طريق قرار لمجلس الأمن، وتعهد ترامب بذلك.

هناك من العرب من هو مستعد ومنهم من هو متحمس للمهمة بشغف، ومنهم من سينخرط رغم إرادته. وهناك مشاركة تركية لم تُحسم بسبب معارضة ترامب.

ما يتم الآن هو بذل جهد من قبل ترامب لحشد أكبر عدد من الدول العربية والإسلامية لتشكيل قوة أمنية تنفيذية قادرة على تنفيذ أوامر اللجنة التي تشرف على إدارة غزة.

المطلوب من القوة العربية الأمنية أن تكون هي في المواجهة مع أهل غزة ومقاومتها، وأن تتوكل بنزع الأسلحة بالقوة، وأن تتوكل بتدمير الأنفاق تحت إشراف خبراء أمريكيين وإسرائيليين، وليست شريكة في السياسات والقرارات والاستراتيجيات؛ بمعنى عليها أن تتولى الجانب القذر من مهمة بسط "السلام" في غزة وفق مقاسات نتنياهو، وأن لا تشكل غزة في المستقبل أي شكل من أشكال التهديد للاحتلال الإحلالي الاستيطاني الذي يشكل رأس الحربة لتنفيذ المخطط المشترك لإعادة ترتيب الشرق الأوسط بأكمله.