الدباس يكتب: إدارة الإذاعة والتلفزيون.. هنيئاً لكم..

 

إدارة الإذاعة والتلفزيون.. هنيئاً لكم..

يوم بدر كان فاصلاً في الوعي قبل السيف.. يوم نزل فيه العفو بعد أن ظهر الصدق.. فكان الغفران نتيجة لا منحة عابرة.. فقال صلى الله عليه وسلم.. "لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم"..

ولله المثل الأعلى.. غير أنني كلما تابعت ما يجري في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.. تذكرت القول بوجهه المقلوب.. وكأن أحداً ما همس لكم.. "اعملوا ما شئتم.. فقد غضضنا الطرف عنكم".. ليس لأن عملا عظيما قد وقع.. بل لأن السؤال نفسه غاب.. والسؤال حين يغيب.. يختل الميزان..

الانتقادات التي طفت.. لم تكن عاصفة عابرة.. ولا ضوضاء عاطفة.. بل كلام كتبه مَن يلازم المهنة في صميمها.. ممن يعرفون الفرق بين الهفوة والخطيئة.. وبين الاجتهاد والعبث.. ومع ذلك بقي المشهد على حاله.. كأن المؤسسة في مكان خارج رقعة المحاسبة.. كأنها تقف في ظل لا تطاله الشمس.. تراقب الأصوات من بعيد.. ثم تبتسم وتكمل يومها.. وكأن شيئاً لم يكن..

وأما لسان حال الحكومة.. فهو ما يثير الدهشة أكثر مما يثير الأسى.. فإن كان الرضا قائماً.. فهو بحاجة إلى تفسير.. وإن كان السخط موجوداً.. فهو بحاجة إلى فعل واضح وملموس.. لذلك لا بد أن يخرج بيان واضح وصريح.. يشرح للناس ما يجري داخل هذه المؤسسة.. هل الأداء فيها هو الأداء المطلوب؟!.. فإن كان كذلك.. فإن كان كذلك.. فلتُكرم إدارتها علناً.. وليُقال إن النقد كان في غير مكانه.. وإن كان غير ذلك.. فالحساب واجب لا مجاملة.. حتى لا يقال إن الحكومة تغض الطرف.. أو أن الصمت أصبح غطاءً مريحاً لمن لا يُسأل عما يفعل..

المسألة ليست شغفاً بالهجوم.. ولا رغبة في أن يجلس أحد في بيته.. لكن لأن المؤسسات العامة ليست ملكاً لمن يجلس في مكاتبها.. ولا مزرعة خاصة.. بل ملك للناس الذين يدفعون ثمن وجودها.. ويدفعون أكثر حين تضعف مخرجاتها.. ولا يمكن أن تبقى مؤسسة بهذا الحجم.. تعيش في منطقة رمادية.. لا هي محسوبة على النجاح.. ولا محسوبة على الاعتراف بالتقصير..

فيا إدارة الإذاعة والتلفزيون.. هنيئاً لكم هذا الهدوء.. هذا الاطمئنان.. هذا السقف العالي من الأمان الوظيفي.. ولكن تذكروا.. أن الغفران في بدر.. كان لأن القلوب كانت معلقة بما هو أعلى من الأرض.. أما أنتم.. فحين يأتي وقت المراجعة.. لن يكون السؤال عن المظهر.. بل عن الجوهر.. ماذا قدمت المؤسسة لمن يخاطبهم صوتها؟!.. وماذا بقي منها في وعي الناس؟!..