زهران ممداني يتصدر التاريخ.. من هو أول رئيس بلدية مسلم لنيويورك؟

 

انتخب المرشح الديمقراطي زهران ممداني، المعارض القوي للرئيس دونالد ترامب، رئيسًا لبلدية نيويورك يوم الثلاثاء، وفق النتائج الأولية.

وأظهرت النتائج تقدم ممداني البالغ من العمر 34 عامًا على منافسيه، حاكم الولاية السابق أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا، ليصبح أول رئيس مسلم لأكبر مدينة أمريكية في الأول من يناير المقبل.

وقال ممداني لأنصاره: "دخلنا التاريخ اليوم، لأن أهالي نيويورك دافعوا عن مدينة يمكنهم العيش فيها بكرامة"، مؤكدًا أن فوزه جاء نتيجة دعم واسع من المواطنين الذين يعانون ارتفاع تكاليف المعيشة. وأضاف أن برنامجه سيركز على تخفيف الأعباء الاقتصادية وتحسين الخدمات الأساسية للسكان.

برنامج ممداني الاقتصادي والاجتماعي

تعهد ممداني بتجميد زيادات الإيجارات لأكثر من مليون شقة منتظمة الإيجار، وتوسيع الخدمات العامة لتشمل النقل المجاني وتوفير رعاية شاملة للأطفال. وأعلن عن خطط لإنشاء متاجر بلدية تبيع السلع بأسعار الجملة، كما يخطط لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا للساعة بحلول عام 2030. ولتمويل هذه المشاريع، يقترح فرض ضرائب على أصحاب الدخل العالي والشركات الكبرى.

وأكد أن برنامجه يهدف لتوفير حياة كريمة لملايين السكان الذين يعانون من أزمة الإسكان وارتفاع التكاليف، مشيرًا إلى أن سياسة رفع الضرائب على الأغنياء ستساهم في دعم البرامج الاجتماعية الأساسية. وأضاف أن الاستثمارات في النقل والخدمات العامة ستقلل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

التحديات السياسية والتهديدات

هدد الرئيس ترامب بوقف التمويل الفيدرالي عن نيويورك إذا فاز ممداني، واصفًا إياه بأنه "شيوعي" ومرشح لن يترك المدينة فرصة للبقاء أو النجاح. لكن ترامب عدّل لهجته لاحقًا قائلاً: "يبدو أنه سيفوز.. هذه ثورة على المرشحين السيئين"، معبراً عن استعداده للتواصل مع العمدة الجديد بعد الانتخابات. ويثير برنامج ممداني مخاوف رجال الأعمال بشأن تطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية المقترحة.

ويواجه البرنامج تحديات تتعلق بالتمويل وإدارة المدينة الأكبر في الولايات المتحدة، خاصة في ظل التوترات مع الإدارة الفيدرالية والسياسات الاقتصادية السابقة، وهو ما يجعل من فوز ممداني حدثًا تاريخيًا وسياسيًا بارزًا يستدعي متابعة دقيقة للمرحلة المقبلة.

خلفية ممداني العائلية والتعليمية

ولد زهران ممداني في أسرة تجمع بين الأصول الهندية والأوغندية، والده المؤرخ محمود ممداني أستاذ في جامعة كولومبيا، ووالدته المخرجة السينمائية ميرا نايير. وانتقلت العائلة إلى نيويورك عندما كان عمره سبع سنوات، مما أتاح له التفاعل مع ثقافات متعددة، والتأثر بأفكار والديه في السياسة والفن والمجتمع.

وتعود جذور وعيه الاجتماعي والسياسي إلى نشأته في بيئة ثقافية تعددية، حيث التقى بأسماء بارزة في الفكر والفن، مثل المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد. وشهد اهتمامه المبكر بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية منذ طفولته، ما ساهم في بناء قاعدة فكرية متينة لتوجهاته السياسية لاحقًا.

النشاط السياسي المبكر والعمل الاجتماعي

خلال دراسته الجامعية في كلية بودوين بولاية مين، شارك ممداني في تأسيس فرع لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وساهم في حملة لمقاطعة أكاديمية إسرائيلية، معتبرًا ذلك وسيلة ضغط سلمية لاحترام القانون الدولي. بعد التخرج، عمل مدرسًا ومغني راب، وساعد والدته في تأليف موسيقى فيلمها "ملكة كاتوي"، وعمل مستشارًا لأصحاب المنازل المتعثرة في منطقة كوينز ضمن منظمة غير ربحية صغيرة.

هذا العمل الميداني منح ممداني خبرة مباشرة في التعاطي مع مشاكل السكان، خاصة في مجالات الإسكان والخدمات الأساسية، وهو ما ساعده على بناء رسالة سياسية قوية وجذابة للقواعد الانتخابية المختلفة في نيويورك، لا سيما لدى الفئات المهمشة والشرائح العمالية ذات الدخل المحدود.

الحملة الانتخابية والتواصل مع الناخبين

ركز ممداني في حملته على التواصل المباشر مع المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأسواق العامة ووسائل النقل العام، مؤكدًا على الانفتاح والتفاعل مع الناس من جميع الأعمار والخلفيات. وألقى خطابًا مؤثرًا في برونكس أمام الجالية المسلمة، مستعرضًا تجربته الشخصية ومواجهة الإسلاموفوبيا، مؤكداً تمسكه بهويته الإسلامية رغم النصائح بعدم الإعلان عن إيمانه في السياسة.

كما خاطب الناطقين بالإسبانية والناطقين بالعربية في المدينة، مؤكدًا أن برنامجه يسعى لخلق بيئة عادلة تشمل جميع السكان، دون تمييز، وبناء ثقة ديمقراطية بين المواطن والمؤسسات، مع التركيز على الخدمات العامة ورفع جودة الحياة.

الصعود السياسي وتأثيره على الحزب الديمقراطي

شكل ترشح ممداني مفاجأة للحزب الديمقراطي، الذي اعتاد على وجوه تقليدية مثل بيل دي بلازيو ومايكل بلومبيرغ. واستطاع ممداني تحويل حملته إلى منصة حقيقية للتغيير السياسي، متحديًا النظام التقليدي، ومثيرًا استجابة كبيرة من الناخبين الذين سئموا من النخبة الحزبية التقليدية وقضايا الفساد التي طالتهم لسنوات.

ويظهر الصعود السياسي لممداني كظاهرة فريدة في السياسة الأمريكية، حيث دمج بين الجذور الثقافية المتنوعة والخبرة الميدانية، وبين خطاب جذاب للمواطنين الشباب وكبار السن، معتمدًا على التفاعل المباشر والتواصل المستمر لإيصال رسالته السياسية والاجتماعية.