العتوم يكشف ملامح التفاوض الخفي بين واشنطن وطهران وصمت تل أبيب المريب
قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية، الأستاذ الدكتور نبيل العتوم، إنّ إعلان طهران عن تلقّيها رسالة من الجانب الأمريكي تتعلق بإمكانية استئناف المفاوضات، يُعدّ مؤشرًا واضحًا على وجود قنوات اتصال خلفية بين الطرفين، رغم ما يبدو في الخطاب العلني من توتر وتصعيد.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن توقيت هذا الإعلان لافت للغاية، إذ جاء في أعقاب تصعيد في التصريحات النووية الإيرانية، وإجراء مناورات عسكرية وأنشطة صاروخية مكثّفة، ما يعكس ما وصفه بسياسة "حافة الهاوية" التي تتبعها طهران، عبر التلويح بإعادة تفعيل برنامجها النووي للضغط على الولايات المتحدة والغرب.
وبيّن العتوم أن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن رغبة إيران في اختبار نوايا واشنطن، عبر التلويح بأوراق إقليمية مؤثرة مثل ملف حزب الله اللبناني، والحوثيين، والساحة العراقية، معتبرًا أن الإفصاح العلني عن وجود اتصالات أو رسائل مع واشنطن يعكس رغبة إيرانية بتوظيف هذا المشهد سياسيًا على المستويين الداخلي والخارجي.
ونوّه إلى أن الرئيس الإيراني لوّح مؤخرًا باستئناف واسع وغير مسبوق للنشاط النووي، في رسالة مزدوجة الأبعاد، داخلية تهدف إلى رفع المعنويات في ظل العقوبات وتغذية سردية "الاكتفاء الذاتي"، وخارجية لتذكير الغرب بأن البنية التقنية للبرنامج النووي الإيراني ما زالت قائمة، وأن الضغوط لم تنل من القدرة العلمية للبلاد.
واستطرد العتوم قائلًا أن الخطاب التصعيدي الإيراني لا يعني بالضرورة نية حقيقية للتصعيد النووي، ذلك أنه تكتيك تفاوضي كلاسيكي يهدف إلى رفع سقف المطالب قبل الدخول في أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع واشنطن، مردفًا أن "ازدواجية الخطاب" بين نبرة ناعمة تجاه الحوار وأخرى متشددة تجاه الملف النووي، تمثل جزءًا من الاستراتيجية الإيرانية المدروسة لخلق توازن بين التهدئة الظاهرية والضغط الميداني والسياسي.
وأشار إلى أن إيران تكرّر معادلتها التفاوضية التقليدية القائمة على التفاوض من موقع قوة، من خلال التمسك بملف الصواريخ والتخصيب النووي والوكلاء الإقليميين كورقة ضغط مركّبة على الولايات المتحدة والدول الغربية، لافتًا إلى أن طهران تسعى لإظهار نفسها كطرف ندٍّ لا يتلقى التعليمات، بل يتعامل بندّية دبلوماسية مع واشنطن، في إطار ما يمكن وصفه بـ"إدارة الصراع لا حسمه".
ولفت العتوم إلى أن إيران باتت تركز بشكل متزايد على البرنامج الصاروخي، بوصفه أحد أهم عناصر الردع الاستراتيجي، من خلال تطوير البنية التحتية، وإجراء اختبارات انفجارية متخصصة، وربما التحضير لاحقًا لتطوير رؤوس نووية أو صواريخ بعيدة المدى، وذلك عبر استغلال الغطاء الفضائي المدني، مضيفًا أن طهران تُظهر تعاونًا تقنيًا مع دول مثل الصين، من خلال شبكات إمداد وعمليات تهريب معقدة، ما يمكّنها من الحفاظ على وتيرة تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية في آنٍ واحد.
وقال العتوم إن هذا التوجه سيؤدي إلى تعقيد مشهد التفاوض المستقبلي، إذ إنّ الولايات المتحدة ستجد نفسها أمام منظومة تهديدات متعددة الأبعاد، تشمل قدرات صاروخية، وحروبًا بالوكالة، وضغوطًا جيوسياسية متشابكة، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية الإيرانية تسعى إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، بما يزيد من احتمالات اندلاع صراعات غير مباشرة.
وأضاف أن المتغير الإسرائيلي يمثل عنصرًا حاسمًا في المعادلة، وأن إسرائيل تنتهج سياسة الصمت العلني والعمل السري، عبر تعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية في الوقت نفسه، من خلال تراكم الذخائر الدقيقة، وتطوير منظومات الدفاع الجوي، وإجراء تدريبات لمحاكاة ضربات عميقة تحت الأرض، ما قد يشير إلى استعدادات لعمليات خاصة تستهدف المنشآت الحساسة داخل العمق الإيراني.
وأشار العتوم إلى أن إيران، في المقابل، تحاول مواجهة هذه الاستراتيجية الإسرائيلية بسياسة الردع العلني عبر استعراضات عسكرية مكثفة، وإعلان امتلاكها صواريخ جديدة ومدن تحت الأرض، في محاولة لردع أي ضربة استباقية إسرائيلية محتملة.
ونبّه إلى أن المشهد الحالي يضع الولايات المتحدة وأوروبا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الانفراج أو الانفجار، مؤكدًا استخدام إيران هذه المعادلة كأداة ضغط دبلوماسي مدروس ضمن ما أسماه "الابتزاز النووي المقنّع"، في إطار استراتيجيتها الثابتة الرامية إلى تثبيت معادلات الردع دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة، مع الحفاظ على قدرة المناورة بين التصعيد والتهدئة وفقًا لمقتضيات المرحلة