ليث ذياب طالب يكتب: خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية كما نقرأه نحن الشباب
بقلم: ليث ذياب طالب في كلية الحقوق الجامعة الأردنية
يأتي خطاب العرش السامي لجلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين بالنسبة لنا نحن جيل الشباب كوثيقة وطنية جامعة تختصر معاني القيادة والرسالة وتضع أمامنا جميعا كأردنيين كوحدة وطنية واحدة ملتحمة خريطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة، إذ إن هذا الخطاب تميز في وضوح الأولويات، فقد رسم رؤية متكاملة لمستقبل الوطن في ظل واقع إقليمي متشابك وظروف عالمية دقيقة.ولم يكن الخطاب مناسبة بروتوكولية بقدر ما كان رسالة صريحة من القائد إلى شعبه، تحمل في طياتها القلق الصادق لا الخوف، والمسؤولية العميقة والإيمان الراسخ بأن الأردن، ورغم كل الأزمات التي وُلد في قلبها، سيبقى قويًا بإرادة أبنائه وعزيمتهم التي لا تلين. فهم دائمًا ما كانوا عونًا لقائدهم وبلدهم، حيث إن الملك قد قدّم خطابًا مكثفًا ومباشرًا ومحمّلًا بصدق الأب الذي يشارك أبناءه مشاعره وهمومه وآماله حين قال: “نعم، يقلق الملك، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا وفي ظهره أردني.” وهي جملة تختصر علاقة الثقة المتبادلة بين الملك وشعبه، وتؤكد أن أساس القوة في هذا الوطن هو الأردني نفسه، وهو من يشد دائمًا على عزيمة قائد البلاد وأن الشعب هو دائمًا السند والعزوة للقائد والدولة ومصدر طاقتها.
وفي هذا الخطاب، حدّد جلالته بوضوح ملامح المرحلة المقبلة: الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مسارات متكاملة لا تحتمل التردد، والعمل الوطني لم يعد يملك رفاهية الانتظار. دعا جلالته إلى الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتطوير القطاع العام والنهوض بالتعليم والصحة والنقل، مؤكدًا أن هذه المشاريع ليست برامج حكومية مؤقتة، بل مشروع دولة لا يمكن أن يتجزأ أو يتأخر، فهي تمثل اليوم معادلة “الثقة والإنجاز” التي يريدها الملك في مواجهة كل أشكال التردد أو الإحباط.ولعل اللافت في الخطاب أن جلالته لم يكتفِ بالتوجيه، بل وضع الجميع أمام مسؤوليات واضحة؛ فالمسؤولية جماعية لا تقتصر على المؤسسات الرسمية، بل تشمل المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمواطن العادي. واضعًا أمامنا مسؤولية كبرى تتطلب وعياً وعملاً وتكاتفاً. فالولاء الحقيقي للوطن، كما فهمناه من الخطاب، ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل ممارسة يومية وسلوك وضمير حيّ يترجم في ميدان العمل والبناء.فنبرة الملك جمعت بين الحزم والأمل، وبين الواقعية السياسية التي نمتاز بها كأردنيين، والإيمان الراسخ بأن الأردن سيبقى واحة استقرار في عالم مضطرب ما دام أبناؤه متمسكين بوحدتهم وبقيمهم الراسخة. إلا أن التحليل الموضوعي يقودنا أيضًا إلى القول إن الخطاب رغم وضوحه وقوته لم يقدم تفاصيل دقيقة حول آليات التنفيذ، وهو ما يترك على عاتق الحكومة واجب تحويل الرؤية إلى مؤشرات ومواعيد وخطط قابلة للقياس، خصوصًا في ملفات مثل التشغيل وتمكين الشباب وتطوير التعليم.
أما على الصعيد القومي والتحديات الخارجية، فقد جاء جلالته بالموقف الأردني الموحد واضحًا وثابتًا كما عهدناه منذ الأزل، فالأردن بقيادته الهاشمية الحكيمة سيبقى نصيرًا للقضية الفلسطينية ومدافعًا عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، انطلاقًا من الوصاية الهاشمية التي تمثل أمانة تاريخية ومسؤولية قومية. وهذا يترجم الثوابت الأردنية التاريخية القائمة على دعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ورفض كل مشاريع التهجير أو الوطن البديل أو تهويد القدس.وفي الوقت نفسه، أعاد الخطاب التأكيد على أن موقف الأردن “لا يلين”، وأنه سيظل ثابتًا في وجه السياسات الإسرائيلية التي تستهدف ضم الضفة الغربية أو إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية، في ظل واقع إقليمي يزداد صعوبة. وهنا، كان لافتًا أن جلالته لم يتحدث فقط من منطلق دبلوماسي، بل من منطلق أمن قومي أردني، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لنا كأردن ليست ملفًا خارجيًا فحسب، بل امتداد طبيعي لتوازن واستقرار المملكة داخليًا.وفي حديث جلالته عن أهلنا في غزة الصامدين، كانت العاطفة الصادقة والوجدان الحيّ حاضرين حين قال إن الأردن سيبقى إلى جانبهم “وقفة الأخ مع أخيه”، ليؤكد أن البعد الإنساني في الموقف الأردني لا ينفصل عن البعد القومي ولا الوطني، وأن دعم القضية الفلسطينية هو أولوية أردنية لم ولن نتنازل عنها. كما حمل الخطاب إشادة واضحة بجيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية، أولئك الذين يشكلون درع الوطن وسياجه المنيع، وامتدادًا لتاريخ من التضحيات والشرف العسكري الذي حمله أبطال مصنع الحسين عبر العقود. ومن زاوية اخرى يمكن القول إن الملك قدّم في هذا الجانب خطابًا متوازنًا بين الثوابت والمستجدات، بين الموقف الأخلاقي والسياسي، لكنه ترك مساحة للحكومة والدبلوماسية الأردنية لتترجم هذا الثبات إلى أدوات ضغط واقعية على المستوى الدولي، وهي مسؤولية ثقيلة تتطلب حضورًا أردنيًا فاعلاً في الملفات العربية والدولية القادمة.
ونحن كشباب أردني وكأبناء للجيل زد الذي نشأ على قيم الوعي والتفكير النقدي، قرأنا خطاب العرش من منظور الأمل والمسؤولية معًا، فنحن التقطنا الرسالة وفهمنا أن جلالته حين يتحدث عن الشباب فإنه يرى فينا شركاء لا متفرجين، وركائز لا تفاصيل هامشية. وفي ذكره لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، رأينا تجسيدًا حيًا لجيلٍ يؤمن بالعمل لا بالكلام، وبالإصلاح لا بالتردد، وبالوطن قبل كل شيء. وفي حديث الملك عن “رجال مصنع الحسين” رأينا أنفسنا امتدادًا لجيلٍ حمل راية البناء وصان الهوية، فنحن الجيل الذي يعاهد جلالته أن يكون على قدر الثقة، وأن يواصل العمل في الميدان كما أراد لنا، جيلٌ يعي أن الدفاع عن الأردن لا يكون فقط على الحدود، بل في قاعات الدراسة، وفي ميادين العمل، وفي تمسكنا بقيمنا وهويتنا.وخطاب العرش بالنسبة لنا لم يكن مجرد كلمات تُتلى في قبة البرلمان، بل رسالة عميقة تُخاطب ضمائرنا وعقولنا وتدعونا لنكون امتدادًا لجيلٍ حمل راية البناء والحفاظ على الدولة. ونحن نقول بيننا وبين أنفسنا، وبصوت عالٍ وصادق، إننا نجدد عقد الثقة والانتماء والولاء: إننا كلنا معك يا سيدنا، ومع سمو ولي العهد، على العهد والوعد الصادق، نؤمن بأن الأردن ما دام فيه هذا التلاحم بين القيادة والشعب، سيبقى وطنًا لا يخاف شيئًا، لأن في ظهره دائمًا “أردني”.