ماذا قصد جلالة الملك بالهلاك عند حديثه عن القضية الفلسطينية؟

 

قال الكاتب المحامي سائد كراجه إنّ تصريحَ جلالة الملك عبد الله الثاني وعبارته الحازمة: "إن لم تُحلّ القضية الفلسطينية، فإننا سنهلك  we’re doomed"، يعد إنذارًا، وتحذيرًا يستدعي وقفةً تاريخية، فالقضية الفلسطينية مفتاح الاستقرار الإقليمي، ومعالجتها أو إهمالها هي التي تحدد مسارَ الأمن أو الانهيار في محيطٍ جيوـسياسي مضطرب.

ورأى في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ إسرائيل قد نفّذت قفزةً نوعية في منطقها الاستراتيجي، إذ انتقلت من خطابٍ ذي بُعد "دفاعي" يبرّر الوجود عبر ادعاء الخطر الوجودي، إلى منطقِ "توسّعٍ" يقوم على أدواتٍ بوليسية - عسكرية وتكييفٍ سكانيٍّ منهجي، مضيفًا أن الاستيطان تحوّل إلى أداةٍ مؤسسيةٍ لتفريغ الأرض من رصيدها الفلسطيني، بمنطق "المساعدة المشروطة" أو "التهجير المُمنهج"؛ أي تحويلُ الصراع من صفةٍ تحررية ذات أفق سياسي إلى ملفٍ ديموغرافي تقني يخضع لمقاييس أمنية واقتصادية.

ونوّه كراجه إلى أنّ التحوّل الإسرائيلي نُسِّقَ ضمن إطارٍ أكبرٍ أعاد تعريف دور واشنطن، فالولايات المتحدة شريك مباشر في فرض الحلول الجزئية، مستثمرةً القضية كأداةٍ لضبطِ التوازناتِ الإقليمية وفق مصالحٍ استراتيجية، وبذلك تحولت المبادرات الدبلوماسية - التي كان من مفترض أن تُمثّل حلولًا عادلة - إلى آلياتٍ لإعادة تشكيلِ النظام الإقليمي تحت مظلةِ "صفقاتٍ إقليمية" تُضمن مصالح حلفائها وتُهمّشُ مطالبَ الضحايا.

وذكر أن المشهد العربي يعيشُ مفارقة، فالجيوسياسة العربية الراهنة تقوم على اِعتمادٍ متزايدٍ على ضماناتٍ خارجية - أمنية كانت أم اقتصادية - ما أفقد الدول قُدرتها على صياغةِ مشروعٍ ذاتي للحماية والاستقرار، حتى أصبح الاعتماد على الحماية الخارجية سيفًا ذا حدّين، من جهةٍ يوفر صدىً مؤقتًا للأمن، ومن جهةٍ أخرى يقوّي موقعَ الفاعل الخارجي ويُضعفُ القدرةَ المحليةَ على السيادة والقرار المستقلين.

وحذّر كراجه من محاولة شرعنة تغييرات ديموغرافية تحت مسميات إنسانية أو إغاثية، وهو ما يُشكّل خرقًا لمبادئ حماية المدنيين ومنع التهجير القسري، ففي حال تمّت إعادة تصنيفِ النزوح كخيارٍ مقبولٍ تحت ذريعة الإنقاذ الإنساني، فإنّ ذلك يمهّد لآلياتٍ مؤسسيةٍ لتحويل الشعب الفلسطيني إلى جمهورٍ مصنّفٍ إداريًا، بدلًا من كونه صاحبَ حقٍ سياسيٍ ومشروعِ دولةٍ سيادية.

ولفت إلى أن المنافسة بين القوى الكبرى - وعلى رأسها واشنطن وبكين - تفتح ثغراتٍ يمكن للعرب استغلالها لإعادة بناء أوراق تفاوضٍ جديدة، مشددًا في الوقت عينه أن الفرصة لن تتحقّق بالاعتماد على الصدف الجيوسياسية، فهي تتطلب إرادةً عربيةً منظمةً ومستقلةً قادرةً على صياغةِ مشروعٍ إقليميٍ يعيدُ الاعتبارَ لمقاييس العدالة والسيادة.

وأشار إلى أنّ الأمن بلا عدالة باطل وخاضع لهزاتٍ متجددة، وأنّ غيابُ مشروعٍ عربيٍ جمعيٍ قادرٍ على تقديم بدائلٍ سياسيةٍ يجعل المنطقة عرضةً لفرضِ خرائطٍ تُرسَمُ في غيابها، لذلك، التحذير الملكي دعوة عاجلةٌ تُلزم الأطراف العربية بإطلاق مبادرةٍ أممية عربية شاملة لمراجعةِ الإطار السياسي، وإعادةِ تعريفِ الأمن على أسس العدالة والشرعية، قبل أن تُفرَض علينا خِططٌ بديلةٌ لا نملكُ مناعةً أمامها.