قصة سرقة كشفت الأخطر في المجتمع الأردني... الخزاعي يوضح
قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي إنّ ما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي من تفاعلٍ لافت مع قضية السيدة الأردنية التي تعرّضت لسرقة مالية، يكشف عن تحوّلٍ عميق في أنماط الوعي الجمعي والسلوك الرقمي، وعن أزمةٍ متراكمةٍ في منظومة القيم الاجتماعية التي تنظّم العلاقة بين الفرد والمجتمع في الفضاء الافتراضي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ الصدمة الأولى من حجم المبلغ المسروق كانت العامل الأبرز في إشعال موجة التفاعل الجماهيري، إذ لم يتعامل كثيرون مع الحدث باعتباره جريمة واضحة تستدعي التعاطف والمساءلة القانونية، وإنما بوصفه مادةً مثيرة تستدعي الفضول والنقاش السطحي.
وبيّن الخزاعي أن هذه "الصدمة الرقمية" تفاعلت مع نزعاتٍ دفينة من الغيرة والحسد الاجتماعي، فحوّلت النقاش من مساره القانوني إلى مسارٍ شخصي يستهدف الضحية ذاتها، في تعبيرٍ واضح عن هشاشة البنية القيمية في بعض الأوساط الافتراضية.
وأشار إلى أنّ النجاح في المجتمعات المتوترة اقتصاديًا واجتماعيًا غالبًا ما يولّد حساسيةً مجتمعية تجاه المظاهر المالية، ما يجعل من الأشخاص الناجحين أهدافًا سهلة للانتقاد والتنمر، خاصة عندما تُتاح المعلومات حولهم بشكلٍ علني، مردفًا أن الحسد يعد انعكاسًا لبنيةٍ اجتماعية مضغوطة تُفرّغ احتقانها عبر شبكات التواصل، فيتحول بعض المستخدمين إلى ما يشبه "جمهور العقاب الرقمي"، الذي يشارك في التنكيل المعنوي بالأشخاص تحت غطاء المزاح أو الفضول.
ونوّه الخزاعي إلى أنّ من أخطر مظاهر هذا التفاعل الانحراف عن جوهر القضية الجنائية نحو الخوض في تفاصيل شخصية لا تمتّ بصلة إلى جوهر الحدث، موضحًا أن هذا التحول في بوصلة النقاش يدل على نقصٍ في التربية الإعلامية والأخلاقية الرقمية، وعلى ميلٍ متزايد لدى فئات من الجمهور نحو استسهال إصدار الأحكام دون معرفة أو تحقق.
وتابع قائلًا إنّ وسائل التواصل الاجتماعي تحولت من أداة للتعبير إلى وسيلة للتفريغ النفسي والاجتماعي، إذ يجد بعض الأفراد ممن يعانون من فراغٍ اجتماعي أو شعورٍ بالتهميش، متنفسًا في انتقاد الآخرين والمشاركة في موجات التنمر الجماعي، كنوعٍ من تحقيق الذات الزائفة أو استعادة الشعور بالقوة داخل فضاءٍ افتراضي لا يخضع للرقابة المباشرة.
كما لفت الخزاعي إلى أنّ المشكلة تمتد إلى بنية المنصات ذاتها، التي تشجع – من خلال خوارزمياتها – على تضخيم المحتوى الصادم والمثير للجدل، ما يزيد من فرص انتشار الخطاب السلبي والشماتة والتشهير، في حين تغيب الآليات الرادعة للمساءلة الرقمية أو الحماية القانونية السريعة للضحايا.
واستطرد الدكتور الخزاعي قائلًا إن ما جرى مع السيدة الأردنية يمثل نموذجًا مصغرًا لأزمةٍ ثقافيةٍ رقمية أعمق، تتطلب معالجة مؤسسية شاملة، تبدأ من تطوير برامج التربية الإعلامية في المدارس والجامعات، مرورًا بتفعيل القوانين الرادعة ضد خطاب الكراهية والقذف الإلكتروني، وصولًا إلى إطلاق حملاتٍ وطنيةٍ تعزز ثقافة التعاطف والمسؤولية الأخلاقية في الفضاء العام.
وذكر الخزاعي أنّ المجتمع الأردني بحاجةٍ إلى إعادة بناء منظومة وعيه الرقمي بما ينسجم مع قيم الاحترام والتوازن والعدالة، مردفًا أنّ حماية الضحية من التنمّر لا تقل أهمية عن محاسبة الجاني، لأن التنمّر – وإن كان لفظيًا أو رقميًا – هو شكل من أشكال العنف الاجتماعي الذي يقوّض النسيج الوطني ويهدد الثقة المجتمعية.