الغرايبة يكتب : بين الانتصار والهزيمة ..
رحيل غرايبة
الحرب مع العدو المحتل طويلة ومعقدة ولها مسارات عديدة ومتنوعة، ومتفاوتة من حيث الأثر والأهمية ..
وما ينبغي أن نعلمه يقينا وتعلمه الأجيال القادمة : أن الحرب مع الغزاة شاملة وواسعة .. تستهدف الأمة بأكملها وليست منحصرة بين الصها.ينة الغزاة من طرف، والشعب الفلسطيني من الطرف الآخر .. فالصها.ينة معهم الأمريكان والإنجليز والفرنسيين والألمان والطليان وآخرون .. أما الجانب المستهدف فهو العالم العربي والإسلامي كله بكل شعوبه وتلاوينه الفكرية والعقدية ..
وما كانت حرب غزة الأخيرة إلا جولة من ألف جولة وجولة بين جموع الغزاة وشعوب المنطقة خلال سنوات طويلة عبر حملة صليبية صهيو.نية منسقة ..
وعلينا أن نعترف بأن حملة الغزو المنسقة حققت كثيرا من نقاط التقدم الكبيرة والمهمة ضد أمتنا .. حيث حققت الحملة جملة من الأهداف المتعلقة بتمزيق الأمة وتفريقها وإضعافها وإثارة كوامن النزاع والفتنة بين أقطارها وشعوبها على نحو مفزع يتعاظم باطراد ..!!
أما التقدم الأشد خطورة الذي حققته الحملة المعادية في هذا السياق يتمثل بما يلي :
**لقد تم استبدال ""العدو ..""
حيث تم إقناع معظم الحكام العرب والأنظمة الحاكمة أن العدو المشترك لهم جميعا الذي يهدد عروشهم هو من داخل بلدانهم وشعوبهم ومن أبرز تكويناته الإسلام السياسي وحركات المقاومة وتيارات الوعي الحضاري ذات الرصيد الشعبي والحركات الجماهيرية بوجه عام ، وليس من الخارج وليس من جهة الاحتلال والغزو الحضاري الغربي المنسق .. وقد تم حشد بعض الانظمة العربية بيادق لدى قادة الحملة الصهيو.نية المعادية للأمة ودينها وهويتها وحضارتها وثقافتها وجذورها ضد عدو وهمي مصطنع اطلق عليه الامريكان والصها.ينة وصف التطرف و الإرهاب بعد ذلك .. حيث جرى تصميم عدو يجسد هذا الخوف بإخراج استخباراتي هوليودي فظيع وهو ما أطلق عليه"داعش" بتعاون أغلب الأطراف الإسلامية والعربية عبر عملية معقدة استطاعت تضليل الراي العام العالمي والعربي ..
***اين تاتي جولة غزة في هذا السياق ..؟؟!!
لا يمكن فصل ما جرى في غزة عن هذا السياق الكبير الذي يستهدف المنطقة برمتها والإقليم بأكمله ..
ومن هنا ياتي تقييم الحدث في ظل هذه القراءة ؛ويمكننا القول أن الحرب على غزة كانت تدور على هدف جوهري يتلخص بالقضاء المادي والمعنوي على المقاومة الفلسطينية ؛ بالتدمير الكامل لمعقلها الأخير في غزة واغتيال قادتها وتشريد كوادرها وتمزيق حاضنتها الشعبية وتغيير معالم جغرافية غزة وديموغرافيتها وتحويلها إلى مركز تجاري مختلف تماما .. وهذا الهدف أمريكي صهيو.ني عربي مشترك ، لأن بقاء المقاومة وانتصارها يجعلها نموذجا ملهما للأجيال العربية .. مما يجعل التهديد قائما ومتجددا للأنظمة العربية غير الديموقراطية ..
صمود المقاومة المذهل شكل نقطة تحول في مسار الصراع في الإقليم ، ويمكن ان نشير إلى بعض النتائج المهمة :
أولا : لقد تعرض الكيان المحتل إلى هزيمة أخلاقية مروعة،حيث تم تعريته من الناحية القيمية والحضارية على نحو عميق ، وتم كشف حجم الخديعة والتضليل الكبير الذي تم ممارسته عبر سبعة عقود من الزمن .. ووقف العالم كله على جرائم الحرب وحرب الإبادة والتطهير العرقي بكل وضوح وقد تم توجيه التهمة من قبل المحاكم الدولية لزعماء الكيان بطريقة موثقة ..
لقد تم إبطال الاكذوبة الكبرى لدى أغلب الشعوب الغربية وخاصة الطبقة الواعية فيها مثل طلاب الجامعات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأغلب دول العالم التي ايقنت بحقيقة الإجرام الوحشي للكيان المحتل ..
ثانيا : لقد تم كشف الحقيقة المتمثلة بانحراف البوصلة لدى معظم الأنظمة العربية التي انخرطت في المخطط الامريكي الصهيو.ني بحيث أصبحت في مواجهة صريحة مع المقا.ومة وأنصار المقا.ومة وأفكار المقا.ومة وحواضن المقا.ومة للمحتل .. وانحاز بعض العرب بكل صراحة ووضوح إلى جانب العدو المحتل المجرم .. بلا أدنى مواربة..
إن وقوف الأجيال القادمة على هذه الحقيقة يشكل تقدما هائلا في مسيرة الأمة نحو اليقظة والتحرر والنهوض ..
إن حجم التحولات على صعيد الوعي لشعوب المنطقة والعالم أكثر أهمية وأعظم أثرا من حجم التضحيات .. وليس ذلك تقليلا من التضحيات ؛ بل المقصود إن هذه التضحيات لم تذهب هدرا ، بل أثمرت تحولا كبيرا في الوعي الجمعي العام ، ما كان له أن يحدث ويتحقق إلا بالصبر والمثابرة والبذل والتضحيات الكبيرة الموجهة..