العبادي يكتب: العنف في الجامعات الأردنية: حين يختنق الفكر تحت ظل التعصب
الدكتور فوزان العبادي
لم تعد مشاهد العنف داخل حرم الجامعة الأردنية مجرد حوادث طلابية عرضية. بل هي انعكاس لخلل أعمق في منظومة القيم التي يفترض أن تهيمن على مؤسسات التعليم العالي. الجامعة مكان للحوار والفكر؛ لكن عندما تدخل إليها عصبيات مناطقية وعشائرية يتحول الخلاف البسيط إلى صدام جماعي يسيء لصورة الوطن ومؤسساته.
تتغذى هذه الظاهرة من ثلاث مساحات مترابطة: بيئة اجتماعية تحتفي بالانتماءات الضيقة، فراغ طلابي وثقافي داخل الحرم يوفر متنفسًا سلبياً، وإدارة جامعية أحيانًا تتردد في فرض عقوبات حازمة خشية التداعيات الاجتماعية والضغوط. نضيف إلى ذلك تأثير منصات التواصل التي تؤجج الاصطفافات وتحوّل خلافًا شخصيًا إلى مواجهة جماعية.
الجامعة الأردنية، بقدَر مكانتها، تتحمل مسؤولية خاصة: كل حادث فيها لا يبقى محصورًا داخل أسوارها، بل ينعكس على سمعة التعليم الأردني. لذلك لا تكفي بيانات الاستنكار أو التحقيقات المؤقتة. المطلوب مشروع متكامل لإعادة بناء الوعي الجامعي: تعليم قيم المواطنة داخل المقررات، إحياء الأنشطة الطلابية التي تبني الروابط عبر المشاريع المشتركة، دعم الإرشاد النفسي، وتطبيق قوانين جامعة عادلة وحازمة تطبق على الجميع دون وساطات، مساحات أوسع من الحوار الطلابي والكوادر الأكاديمية .
الجامعة ليست ساحة حرب، بل وطن مصغّر. إن أردنا مجتمعًا متماسكًا، فلا بد أن نبدأ من هناك — من قاعاتها وساحاتها، حيث تُبنى الشخصية قبل أن تُحسم المعارك بالقبضة. العلم يُبنى بالحوار لا بالضرب.