ذياب يكتب: الجامعة الأردنية ليست ميدانًا للفوضى
ليث ذياب
كنت عائدًا اليوم إلى منزلي بعد انتهاء محاضراتي، فلم أتمكن من عبور الشارع الذي أسلكه يوميًا من كليتي إلى البوابة الرئيسية للجامعة الأردنية بسبب مشهد مؤسف ومرعب. عشرات الطلبة في مشاجرة عنيفة، طفايات الحريق تُرمى، والحجارة تُقذف في كل اتجاه، وصراخ يعلو فوق صوت العقل. لم يقتصر الأمر على التخريب، بل تم الاعتداء على أحد الأشخاص الذين كانوا يصورون ويوثقون الحدث، ما يوضح مدى الفوضى والتهور الذي وصل إليه بعض هؤلاء الطلبة. الطالب الذي يدمّر ممتلكات جامعته ويعتدي على الآخرين لا يستحق الفصل فقط، بل يجب أن تتم معاقبته وتغريمه، لأنه يعبث بمكان عام ويهدد مستقبل وطنه وسلامة زملائه وحق الجميع في بيئة تعليمية آمنة. الجامعة الأردنية ليست ساحة للعراك والمشاجرة، بل مكان للعلم والفكر ولتكوين جيل متعلم ومسؤول، ومكان يفرض الاحترام للآخرين وللنظام العام. من الممكن أن تندلع مشاجرة بين عدد قليل من الطلبة، لكن أن يشترك فيها عشرات الطلاب وينتج عنها إصابات وتخريب غير مسبوق لمرافق الجامعة هو تصرف تعدى جميع الخطوط الحمراء ويجب إيقاع أقصى العقوبات بالطلبة المتورطين.
ما زاد المشهد قسوة أن بعض المشاركين بدأوا يهتفون “نحن ولاد عشائر”، وكأن الانتماء القبلي يبرر التخريب والفوضى والعنف. هذا انحراف كامل عن القيم والأخلاق والفهم، فلا مكان للعشائرية في الاعتداء على صرح علمي أو تدمير ممتلكات عامة. أبناء العشائر الحقيقيون هم رموز الصلح والحكمة والكرم، لا من يشوهون سمعتهم وسمعة وطنهم بسلوك جاهل ومستهتر. نحن، كطلبة الجامعة الأردنية، الباقون من أبناء عشائر وأردنيين، نحترم بلدنا وجامعتنا وزملائنا، ونقدر دور الأمن الجامعي الذي هم أيضًا من أبناء العشائر، ونعلم أن الانتماء الحقيقي يقاس بالمسؤولية والانضباط لا بالعنف والتخريب. وأنا طالب بكلية الحقوق، لطالما تلقينا نحن وزملاؤنا من أساتذتنا النصائح والتوجيهات الرشيدة، وخصوصًا عميد كليتنا الذي يعد من أكثر الناصحين والموجهين للطلبة. لطالما نصحنا بالابتعاد عن المشاجرات والمشاكل، ووضح لنا تبعاتها القانونية، وقدم النصح والرشد المستمرين، ولطالما أكد على أهمية معرفة قيمة وحجم الاسم الذي نحمله كطلبة في الجامعة الأردنية، الجامعة الأم، وحجم المسؤولية المترتبة على ذلك، وهو ما يتمناه الكثير من الاشخاص بان يصبحوا طلبة بالجامعة الأردنية . وبالتأكيد، هذه النصائح موجودة في جميع الكليات، لكن ما يحدث اليوم يثبت أن بعض الطلبة يتجاهلون هذه الإرشادات ويختارون العنف والفوضى بدل الالتزام بالقانون والأخلاق. ما يحدث اليوم هو انعكاس لغياب التربية والوعي، وأي تربية تجعل الطالب يمد يده بدل أن يمد فكره هي تربية فاشلة. الجامعة وُجدت لتعليم التفكير النقدي وصقل الشخصية وبناء جيل قادر على قيادة المستقبل، لا لتصبح ملعبًا للصراعات أو لإظهار القوة.
الممتلكات العامة للجامعة ليست ملكًا لأحد، بل هي ملك لكل الأردنيين، بُنيت من جهودهم وضرائبهم لتخدم الأجيال القادمة. كل كرسي يُكسر، كل نافذة تُحطم، كل مختبر يُتلف، وكل حجر يُقذف على شخص يوثق الحدث هو خسارة للجميع واعتداء على حق كل مواطن في بيئة تعليمية سليمة وآمنة. وللأسف لم يقتصر التخريب على الممتلكات العامة فقط، بل تعدى الأمر إلى الاعتداء على بعض الأكشاك التجارية داخل الحرم الجامعي، وهي ملكية خاصة لمستثمرين وعائلات يعتمدون عليها كمصدر رزق. هذا السلوك يضاعف حجم الضرر، لأنه لا يمس فقط مكانًا عامًا بل يضر بأفراد يعيلون أسرهم ويعتمدون على هذه المشاريع. الاعتداء على ممتلكات خاصة في الجامعة هو إهانة مزدوجة، للجامعة وللأفراد الذين استثمروا فيها، ويظهر حجم الاستهتار وعدم المسؤولية لدى الطلبة المشاركين في المشاجرة. كل من يعتقد أن العنف في الحرم الجامعي مقبول أو يمكن تبريره مخطئ تمامًا، لأن كل عمل من هذا النوع يضر بالاقتصاد الصغير داخل الجامعة ويخلق جوًا من الفوضى والخوف، ويهدد سمعة الجامعة كصرح للتعليم والثقافة. لذلك على الجامعة أن تتخذ أقصى العقوبات بحق المشاركين في هذه الأعمال التخريبية لتكون عبرة لغيرهم وتوقف هذه الظواهر قبل أن تتحول إلى سلوك متكرر يسيء للصروح الأكاديمية والمجتمع ككل.فإدارة الجامعة تحت قيادة عطوفة الرئيس معالي الأستاذ الدكتور نذير عبيدات تعمل بلا كلل لتطوير التعليم ورفع مستوى الجامعة. فالجامعة الأردنية اليوم ليست كما كانت، فقد شهدت تطورًا ملموسًا في التصنيفات الدولية، وتحسينات في المعاملات، وتطوير الخطط والمناهج، ورفع مستوى البحث العلمي، وتهيئة بيئة تعليمية متقدمة تليق بالطلبة وطموحاتهم. الأساتذة يوجهون الطلاب دائمًا للتركيز على العلم والدراسة، لأن أولويتنا هي الدراسة لا شيء غيرها. الإدارة تسعى لتطبيق أعلى معايير الانضباط والجودة الأكاديمية، والجامعة ستبقى صرحًا للعلم والفكر والأخلاق، لكنها لن تنجح إلا إذا كان كل طالب أهلًا لهذا المكان، واعيًا لمسؤولياته تجاه ممتلكاته وزملائه ووطنه. الحزم، العقوبات الرادعة، والتربية المستمرة على احترام القانون والمؤسسات هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على مكانة الجامعة وأمانة العلم فيها، ولضمان أن تظل الجامعة الأردنية منارة للعلم والوعي في الأردن والمنطقة.