غزة تتحول إلى حقل تجارب سياسي ودفتر أرباح مفتوح

 

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستعد لتوظيف المشهد السياسي والعسكري الراهن في تحقيق مكاسب انتخابية كبرى، عبر تكريس صورته كقائد "النصر التاريخي" وصانع التحولات، بما يمهّد لعودته إلى سدة الحكم عبر انتخابات مبكرة يخطط لفرضها في التوقيت الذي يختاره هو، لا خصومه.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نتنياهو قد أصدر بالفعل تعليماته إلى قيادات حزب الليكود ونوابه بضرورة تسريع عقد المؤتمر العام وإجراء الانتخابات الداخلية خلال أسابيع قليلة، في خطوة تهدف إلى إعادة وصل الحزب بقواعده الشعبية، وهي ممارسة سياسية مألوفة في النظم الديمقراطية الغربية التي تسعى الأحزاب فيها إلى تجديد شرعيتها الداخلية قبل الذهاب إلى انتخابات وطنية مبكرة.

وبيّن البستنجي أن الفاصل الزمني المتبقي حتى إقرار الموازنة العامة للكنيست لعام 2026، والمقدّر بنحو ثلاثة أشهر، يُعدّ مساحة زمنية كافية لنتنياهو لبناء سردية سياسية وإعلامية متكاملة تُظهره بمظهر القائد المنتصر، القادر على استعادة الأسرى وفرض الردع، وتثبيت السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة، مع الإصرار على نزع سلاح حركة حماس سواء عبر اتفاق أو بوسائل القوة، بما يعني استمرار بقاء القوات الإسرائيلية داخل ما نسبته نحو 58%  من القطاع خالية من السكان ومهيأة لأي مشاريع أمنية أو حتى استيطانية مستقبلية في حال طال أمد الانتظار أو تعثرت التفاهمات.

وأشار إلى أن نتنياهو، الذي يوصَف في الأوساط العبرية بـ"الداهية السياسية"، يدرك أن لحظة الذهاب إلى انتخابات مبكرة ستكون لحظة تتويج سياسي له، بعدما نجح في إعادة ضبط العلاقة مع شركائه من أقصى اليمين، مثل بن غفير وسموتريتش، اللذين أبديا اعتراضات محدودة على تفاصيل أسماء الأسرى فقط، لا على جوهر الخطة، وقد استطاع إقناعهما بأن استمرار الضغط على حماس - سواء عبر الأدوات العسكرية أو عبر إدارة الاتفاق - سيُبقي لهما حضوراً سياسياً قوياً في المشهد المقبل.

واستطرد البستنجي قائلًا إن السيناريو الذي تتجه إليه إسرائيل لا يشير إلى عودة الحرب في شكلها الكلاسيكي الواسع، وإنما إلى مرحلة "احتلال محكوم" أو "سيطرة أمنية مطلقة" داخل القطاع، مع منح الجيش الإسرائيلي حرية المناورة الميدانية والاستخباراتية، من تفكيك أنفاق ومراكز تصنيع، إلى تنفيذ عمليات اغتيال مركزة، وتجريف مناطق محددة تحت ذرائع أمنية، وهو ما يجعل الوضع في غزة أقرب إلى نموذج الضفة الغربية، من حيث الهيمنة العسكرية الكاملة المقنّعة بشروط "الأمن الوقائي".

ورأى أن هذا التموضع الجديد، وإن كان سيمنح نتنياهو تفوقًا سياسيًا مؤقتًا ويمنحه أوراق قوة في الداخل، إلا أنه لن يُنتج حلًا مستدامًا، بقدر ما سيؤسس لديناميكية صراع جديدة تُبقي جذوة التوتر مشتعلة وتُبقي المقاومة فاعلًا حاضرًا وإن بشكل غير تقليدي.

وحذّر البستنجي من أن السماح تدريجيًا للمستوطنين بالتجول أو الإقامة في بعض مناطق الشمال والجنوب - ولو في كرافانات مؤقتة - سيكون بمثابة تدشين صامت لمرحلة "الاستيطان الأمني"، التي تُمهد لاحقًا لتغيير ديموغرافي خطير في طبيعة القطاع.

واختتم مؤكدًا سعي نتنياهو إلى الظهور في صورة "القائد التاريخي" الذي أعاد رسم الجغرافيا السياسية والأمنية لغزة دون أن يدفع ثمن الحرب أو السلام، وأنه بصدد استثمار "الانتصار الموهوم" في إعادة صياغة المشهد الإسرائيلي الداخلي، بينما تبقى الحقيقة الجوهرية أن الصراع لم يُحسم، وأن المنطقة تسير نحو مرحلة جديدة من السيطرة دون تسوية، والقوة دون أفق سياسي.