المجالي يكتب: حزين على الأردن
عبدالهادي راجي المجالي
حدث الاتفاق في (غـزة)، والسياسيون في بلدنا يخبروننا بما يحدث من خلال الشاشات فقط. نحن لسنا على الطاولة، ولسنا حتى في موقع المراقب، ولم نشارك في صياغة جملة واحدة من الاتفاق، وربما لا نملك تصورًا واضحًا لما هو قادم.
حسنًا... في بداية الأزمة، شكّلت الدولة تحالفاتها مع مجموعة من الصحفيين والسياسيين وما يسمى بالنخب، وهؤلاء قدموا الرواية في إطار أن ما حدث هو "توريطة"، وأن (حـمـاس) هُزمت. هؤلاء أيضًا قدمونا في إطار الاستهداف، وفي إطار أننا الدولة التي يجب أن تنتبه لمصالحها ولا تنشغل بـ"مغامرات الغير".
هؤلاء صمتوا الآن... فهل كان 7 أكتوبر "ورطة"؟ أم أن الذين طرحوا مفهوم "الورطة" هم الآن المتورطون فيه؟
قدّمت الدولة قناة "المملكة" على أنها تمثل الإعلام المتطور والإعلام الوطني القادر على الدفاع عن مشروع الدولة وروايتها، لكن القناة غير قادرة على إقناع نفسها، فكيف تقنع الشارع برواية الدولة؟
سؤال برسم القلق: أين نحن مما يحدث؟
المصريون الآن في قلب اللعبة، والقطريون أيضًا، فهم من احتضنوا قيادات (المقـاومة)، والأتراك جلسوا مع ترامب مطولًا وشاركوا في الصياغة... بالمقابل، نحن الأقرب للمشهد، نحن من احتضن الخط الإسلامي في القضية الفلسطينية، بل وساهمنا في حمايته.
نحن من ألزم طلابنا في الصف التوجيهي بمادة اسمها "القضية الفلسطينية"، ونحن من صغنا هويتنا وتاريخ جيشنا ومعاركنا عبر بطولات أبناء العشائر وضباط الجيش في (فلسطين).
نحن البلد الأعلى في العالم من حيث عدد المخيمات وعدد اللاجئين، نحن الذين دفعنا الدم لأجل القضية، ونحن الذين وصفنا الشقيق الفلسطيني بالتوأم.
بالمقابل، تركنا كل هذا التاريخ لمجموعة من الطامحين الهواة كي يصيغوا رواية أردنية ملتبسة عبر فضائيات متخبطة... وها نحن نلوذ بالصمت الآن.
سؤال للدولة الأردنية، للحكومة، للمؤسسات، ولمن يديرون الإعلام في المواقع الحساسة، ولمن يتخذون القرار:
سؤال برسم أن الصمت في هذه الفترة هو كفر.
هل الذين قدمتموهم علينا جميعًا واحتضنتموهم، وفتحتم لهم أبواب الإعلام الأردني الذي دفعنا ثمن أوراقه ورواتب مدرائه من دمنا، وجعلتموهم يشاركون في صياغة رواية الدولة وينتجون مصطلحات "الهزيمة" و"الورطة" ويدّعون أن تحليلاتهم تمثل الولاء والانتماء الحقيقي — هل هؤلاء الآن، وبعد انتهاء الاتفاق، سيجرؤ أي واحد منهم على حضور جاهة أو الظهور على فضائية أو إعادة إنتاج الطرح ذاته في وليمة غداء بمحافظة؟
سؤال... مجرد سؤال.
لماذا نحن مدانون؟
أتحدث عن نفسي وعن فئة من المجتمع.
في أعوام الحرب، شعرت أن الكتابة عن (غزة) كانت تشبه الإدانة، وهذه حقيقة واضحة.
ولا أظن أن هذه الإدانة صدرت عن الدولة ذاتها، بل من الذين يجلسون في غرف الرئاسة المغلقة وغرف المواقع الحساسة، أولئك الذين تحالفت معهم الدولة وقدمتهم.
هؤلاء شيطنوا كل شيء، وحقنوا الدولة برأي ومسار إلى الحد الذي خرج فيه (أبو العريف) بمقال يخاطب فيه الناس قائلاً: "اللي مش عاجبته البلد يطلع!"
كأن البلد ملك لوالده!
هؤلاء أنفسهم من عهروا الوطنية الأردنية، وصار مفهومها يُفصّل على مقاساتهم، حتى وصل بهم الأمر إلى الإيحاء بأن ما حدث في (غزة) هو مؤامرة، وأن الأردني يجب أن يتجرد من هواه الإسلامي والقومي وينعطف نحو ذاته.
وما زاد في انحطاط الرأي لديهم هو مهاجمة وزير خارجيتنا.
لقد سمعت أحد الذين احتضنتهم المؤسسات — وصاروا يعلّمونها كيفية قراءة الواقع وتقديره — يشنّ هجومًا حادًا على أيمن الصفدي، إلى درجة أنه اعتبر تصريحاته تشكل عبئًا على الأردن.
وهذا الفتى، للعلم، جاهر بالفكرة كتابة.
والأهم أن هذه الآراء تفنّن أصحابها في طرحها على فضائيات عربية، وكانوا يُقدَّمون هناك بصفتهم من طبقة المسؤولين السابقين، أي أنهم بمواقفهم يمثلون وجهة نظر الدولة.
فماذا ستفعل الدولة بهم الآن، بعد انتهاء الحرب، وبعد أن تبين أننا نجلس على المدرجات ولسنا في الملعب؟
هل سينتجون رواية أخرى؟
وهل ستبقى الدولة تحتضنهم؟
للعلم، (أبو العريف) اتجه الآن إلى الشأن الداخلي، وصار يكتب عن الإصلاح وإعادة قراءة المشهد والتركيز على الشباب.
(أبو العريف)... مادامت مصادر الدخل متنوعة، فالقلم سيبقى يكتب.
نصيحتي لمن يجلسون على كراسي المسؤولية: راقبوا الآن من أنتجتموهم لصياغة الرواية ولتوجيه تفكير الشارع.
اسألوهم: هل سيجرؤون على حضور جاهة؟
هل سيطلّون على الشاشات مجددًا؟
هل سيشاركون في محاضرة أو يذهبون إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة؟
حزين على الأردن...
وأظن أن الصمت في هذه اللحظات يساهم في تعميق الأزمة.
وأعتقد أن المؤسسات في الأردن يجب أن تنفتح على الجميع، وأن التغييرات القادمة يجب أن تكون جذرية.
وليتذكر الجميع أن الشعوب — في لحظة ما — ستحاكم كل من أساء إلى وجدانها، حتمًا ستحاكم.
حمى الله الملك، عاش الأردن.