الكساسية يكتب: الرؤية الاقتصادية في عامها الثالث: هل بدأ التحول من التخطيط إلى التنفيذ؟

 

تدخل الرؤية الاقتصادية الأردنية عامها الثالث وسط مزيج من التحديات والفرص، لتتحول من وثيقة طموح إلى اختبار حقيقي لقدرة الدولة على التنفيذ. فبعد نحو ثلاثة أعوام على إطلاقها عام 2022، يبرز السؤال الجوهري: هل بدأ التحول الفعلي من مرحلة التخطيط إلى الأثر الملموس في حياة المواطن؟

عند إطلاقها، افترضت الرؤية تحقيق نمو سنوي يقارب 5%، وخلق مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات، واستقطاب 4 مليارات دينار سنويًا من الاستثمارات. وبعد مرور ثلاث سنوات، لا يزال النمو عند حدود 2.8%، والبطالة عند نحو 21.3%، بينما لم تتجاوز تدفقات الاستثمار ربع المستوى المستهدف. ومع ذلك، فإن الإصلاحات التشريعية وتطوير بيئة الأعمال يمثلان قاعدة يمكن البناء عليها في الأعوام المقبلة.

تُظهر المؤشرات الاقتصادية الكلية تحسنًا نسبيًا يعكس حالة من الاستقرار النقدي والمالي، فقد تراجع التضخم إلى أقل من 2%، وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية إلى أكثر من 22 مليار دولار. لكن هذه النتائج لم تنعكس بعد بوضوح على معيشة المواطنين أو على خلق فرص عمل جديدة، في ظل ارتفاع الدين العام إلى نحو 118% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يفرض تحديًا في تحقيق توازن دقيق بين ضبط الإنفاق وتحفيز النمو.

أما على صعيد الاستثمار، فقد شهدت بعض القطاعات الحيوية مثل السياحة والطاقة المتجددة نشاطًا متزايدًا، إلا أن الاستثمار الإنتاجي والتكنولوجي ما يزال بحاجة إلى دفعة أكبر عبر تحفيز الشراكات وتسهيل الإجراءات وتطوير أدوات التمويل طويلة الأجل. فتنويع محركات النمو بات ضرورة لتعزيز مرونة الاقتصاد واستدامته.

وفي المقارنة الإقليمية، يواجه الأردن تحديات مشابهة لدول مثل مصر وتونس والمغرب من حيث ضغوط الموازنات وارتفاع الدين، لكنه يحتفظ بميزة الاستقرار النقدي والسياسي. ومع ذلك، فإن استمرار ارتفاع البطالة يستدعي إعادة توجيه الموارد نحو رفع الإنتاجية وتعزيز التنافسية بدل الاكتفاء بإدارة الاستقرار المالي.

يُعد إصلاح القطاع العام أحد المفاتيح الأساسية لتسريع التنفيذ، إذ تُقاس فعالية الجهاز الإداري بقدرته على اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات لا بتعدد مؤسساته. وقد شكّلت خطوات الهيكلة والدمج الإدارية التي أُطلقت مؤخرًا بداية مهمة، غير أن التحول الحقيقي يتطلب إدارة أداء قائمة على النتائج، تُفعّل آليات المتابعة والمساءلة وتربط بين الخطط والإنجازات الفعلية.

وفي الإطار ذاته، فإن تعزيز التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص يمثل ركيزة رئيسية لنجاح الرؤية. فوجود وحدة متابعة الأداء في رئاسة الوزراء خطوة إيجابية، إلا أن تطويرها لتصبح منصة وطنية للشفافية والتقييم الدوري سيعزز الثقة ويجعل التقييم الاقتصادي قائمًا على الأرقام لا الانطباعات. كما أن إطلاق مؤشرات أداء وطنية علنية سيجعل من الرقابة والمساءلة الاقتصادية ثقافة مؤسسية لا موسمية.

أما التمويل التنموي، فقد أصبح بحاجة إلى أدوات مبتكرة تتجاوز القروض التقليدية نحو مبادلات دين بمشاريع إنتاجية وشراكات استثمارية طويلة الأمد، بما يخفف من عبء المديونية ويحول الالتزامات المالية إلى فرص للنمو المستدام في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والزراعة الذكية.

وفي ما يتعلق بالمشاريع الكبرى، فإن مشروع السكك الوطنية والناقل الوطني للمياه ومشاريع الربط الإقليمي للطاقة والنقل تمثل فرصًا استراتيجية لإعادة تموضع الاقتصاد الأردني كمركز عبور إقليمي. غير أن أغلب هذه المشاريع ما تزال في مراحل التخطيط، ما يجعل الإسراع في تنفيذها وفق جداول زمنية محددة شرطًا أساسيًا لتحويلها إلى روافع فعلية للنمو.

أما الموازنة العامة لعام 2026، فهي تمثل محطة حاسمة لمدى قدرة الحكومة على ربط الرؤية بالسياسات المالية. فبعد موازنات ركزت على الاستقرار وضبط الإنفاق، تبرز الحاجة إلى موازنة تنموية موجهة نحو النتائج تستثمر في التعليم والبنية الإنتاجية والتكنولوجيا وتخلق فرصًا حقيقية للتشغيل.

وفي الختام، فإن الرؤية الاقتصادية الأردنية في عامها الثالث بلغت مرحلة النضج والاختبار الفعلي. فالأردن يمتلك قاعدة صلبة من الاستقرار المالي والمؤسسي تؤهله للانتقال إلى مرحلة النمو، غير أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل الأهداف إلى نتائج، والطموحات إلى واقع. فحين يلمس المواطن أثر الرؤية في دخله وفرص عمله وجودة خدماته، يمكن القول إن الأردن بدأ فعلاً عبور المرحلة من التخطيط إلى التنفيذ.