حماس تبتلع الطُعم الأميركي على جرعات محسوبة

 

قال خبير الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن ما يجري في ملف خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة يسير في نسق درامي يتكشف عبر حلقات متعاقبة تمنح كل طرف شعورًا ما بـ"الانتصار"، لكنها في الجوهر تُبقي على ثوابت استراتيجية لا تبدّل مواقف الأطراف الجذرية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ردّ حركة حماس بـ"نعم، لكن" يختزل موقفًا تفاوضيًّا يميل إلى القبول الظاهري مع محاولة الاحتفاظ بحدّ أدنى من المكتسبات.

وبيّن الرداد أن الحلقة التالية ستشهد دورًا واضحًا للوسطاء الإقليميين، وعلى رأسهم تركيا ومصر وقطر، الذين سيحملون تعديلات حماس على بنود الخطة، غير أن هذه التعديلات، وفق قراءة المشاركين في المشهد، ستكون "شكلية وطفيفة" لا تمسّ جوهر المبادرة الأميركية، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات ستُناقش مع الإدارة الأميركية وإسرائيل، ومن المتوقع أن تُقرّ تل أبيب جزءًا محدودًا منها تحت ضغط سياسي ودبلوماسي، لا سيما من جانب البيت الأبيض.

ولفت إلى أن لبّ الخطة بشأن الإفراج عن الرهائن، وتسوية ملف السلاح ـ بما في ذلك نزع أو تسليم سلاح حماس والتنظيمات المسلحة الأخرى، وإنهاء الوجود العسكري والسياسي لها في قطاع غزة ـ سيبقى السقف الثابت للمقترح، ما يعني أن أي تنازلات ستكون محدودة ومقيدة بإطار يضمن لإسرائيل الحق في العودة إلى قواعد الاشتباك إذا رأت خرقًا لشروط التفاهم.

واستطرد الرداد قائلًا إنه في حال تجسدت هذه الصيغة، فستحاول حماس بدورها تسويق "إنجازات نسبية" للاستهلاك الداخلي والخارجي، هي: زيادة أعداد شاحنات الإغاثة، الإفراج عن دفعات من النساء والأطفال ومن المحكومين بالمؤبدات، وبنود سرية تتعلق بمزايا لقياداتها وأموالها، وربما ضمانات بعدم ملاحقة بعض الشخصيات مستقبلًا، وفي المقابل، سيخطو نتنياهو إلى مساحة الدعاية السياسية محاولًا إقناع قاعدة اليمين المتطرف في حكومته أنه حقّق "قضاءً" على حضور حماس العسكري والسياسي، وأن إسرائيل احتفظت بحق الإدارة الأمنية لغزة وإمكانية التدخل العسكري متى دعت الحاجة.

وأردف أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية في ظل المعطيات الحالية، وأن ظهور ترجماته العلنية قد يحدث خلال أيام أو أسابيع، إلا أنهم لم يستبعدوا سيناريوهات موازية تتسم بالمخاطرة، من بينها ما إذا قررت قيادة كتائب القسام داخل غزة قلب المعادلات ورفض الخطة بشكلٍ قاطِع، ما يعني أنَّ المخاطرة مفتوحة أمام انعطافات قد تعيد إدخال المسألة إلى مربع العنف.

وأشار الرداد إلى أن توزيع الرهائن سيكون ذا طابع مرحلي وتقني؛ إذ ستقسّم قوائم الأحياء بحسب أحياء وسكان إلى دفعات يُقدّر عددها الأولي بين 18 و20 مجموعة، بينما يُحتفظ بالباقين في عدّات الضحايا، متابعًا أن ترامب يسعى لتسليم الدفعات الحيّة فورًا بلا تأخير، فيما تُمنح حماس مهلة محدودة لجمع ونقل الجثث، ما يعني أن المرحلة الأولى من الاتفاق قد تُختتم خلال أيام معدودات إذا سارت الأمور وفق هذا الإطار.

ونوّه إلى أن ما يُحاك الآن هو تسوية مرحلية قد تفتح نافذة زمنية للمناورات السياسية والاستراتيجية؛ نافذة قد تَستغلها الأطراف لترتيب أوراقها داخليًا وإقليميًا، أو قد تُفضي إلى تصعيدٍ جديد إذا فشل الضامنون في فرض التزامات ملزمة وشفافة للطرفين.