د. نبيل العتوم

في لحظة تبدو فيها المنطقة على حافة بركان جديد، تتسرب من طهران أنباء عن وصية كتبها المرشد الإيراني علي خامنئي، مختومة بالشمع الأحمر، لا تُفتح إلا عند موته أو عجزه. هذه الخطوة، في ظاهرها إدارية، تحمل في باطنها اعترافاً ضمنياً بأن النهاية باتت قريبة، ليس فقط لرجلٍ حكم إيران أكثر من ثلاثة عقود، بل ربما لمرحلة كاملة من تاريخ الجمهورية الإسلامية.

الحديث عن “وصية سرية” تتضمن أسماء ثلاثة خلفاء محتملين يأتي وسط سياق متوتر داخلياً وخارجياً؛ داخلياً تواجه إيران أزمة شرعية متفاقمة، وشروخاً في مؤسساتها الأمنية والعقائدية بعد سلسلة اغتيالات طالت أبرز قيادات الحرس الثوري. وخارجياً، تصاعدت نذر المواجهة مع إسرائيل التي تعتبر أن “رأس الأفعى” في طهران هو الهدف الحقيقي لأي ضربة مقبلة.

حسب الاعلام الايراني  مصادر مقربة من مكتب المرشد تؤكد أن المجلس الأعلى للأمن القومي وجّه كبار المسؤولين إلى تعيين بدلاء بشكل عاجل لتفادي فراغ في القيادة، على غرار ما حدث أثناء حرب “الاثني عشر يوماً” التي باغتت طهران باغتيال قادتها العسكريين. هذه الخطوة تكشف حجم القلق في أروقة الحكم، واعترافاً بأن هرم السلطة في إيران، القائم على شخص واحد، مهدد بالانهيار في أي لحظة.
خامنئي، الذي يبدو أنه يدرك اقتراب ساعة الحسم، أبلغ المحيطين به أن الحرب المقبلة مع إسرائيل “مصيرية”، وأن على إيران أن تكون مستعدة لتلقي الضربة والرد في آنٍ معاً. لكن الواقع يشير إلى أن البلاد منهكة، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. لقد تآكلت القدرات الردعية التي طالما تباهى بها الحرس الثوري، واهتزت صورة إيران كقوة إقليمية قادرة على التحكم في خرائط الصراع.

وفي ظل هذا المشهد، تروج صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد لفكرة أن العالم على أعتاب مواجهة “تاريخية” ستقلب موازين الإقليم والعالم. لكن خلف هذه النبرة المتحدّية يختبئ خوف حقيقي من أن تكون الحرب المقبلة آخر ما يكتبه النظام بمداد النار قبل أن يُفتح الظرف المختوم بالشمع الأحمر، إيذاناً ببدء مرحلة ما بعد خامنئي.

فهل تكون هذه الوصية محاولة لضمان انتقال منظم للسلطة؟ أم أنها اعتراف متأخر بأن الجمهورية الإسلامية وصلت إلى لحظة الشيخوخة السياسية؟ ما بين صمت الشمع الأحمر وهدير الطائرات الإسرائيلية، تبدو إيران على موعد مع مصيرٍ لم يعد يكتبه التاريخ فحسب، بل يوقّعه صاحب العمامة السوداء بيده المرتجفة.